رغم وصول شحنات جديدة من الأبقار إلى المغرب، آخرها عبر السفينة “شورثورن إكسبرس” القادمة من إيرلندا وعلى متنها حوالي 2000 رأس، لا تزال أسعار اللحوم الحمراء في الأسواق المحلية مرتفعة، ما يُثير تساؤلات واسعة حول جدوى الاستيراد، وفعالية الدعم العمومي الموجَّه للفاعلين في القطاع.
وفي تصريح مثير لـ”تيلكيل عربي”، قال عبد الحق بوتشيشي، المستشار الفلاحي المعتمد من طرف وزارة الفلاحة، إن المشكل لا يكمن في الاستيراد نفسه، بل في دفتر التحملات الهش الذي لم يُجبر المستوردين على الالتزام ببيع الأغنام في وقتها المحدد، خاصة خلال عيد الأضحى، ما سمح لهم بتحقيق أرباح ضخمة دون تحقيق أهداف الاستيراد ولا ضمان استقرار السوق.
وأضاف أن فئة من المستوردين استفادت من الدعم العمومي (500 درهم للرأس)، ومن الأعلاف المدعمة، ثم احتفظت بالخرفان لبيعها بعد العيد بأسعار مضاعفة، ما يُفرغ العملية من مضمونها الاجتماعي والاقتصادي، ويحوّلها إلى فرصة ربح خاصة على حساب الميزانية العامة.
بوتشيشي أشار أيضًا إلى ارتفاع أسعار الأغنام في الأسواق الأوروبية، بفعل تزايد الطلب من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، مما رفع الأسعار من المصدر بنحو 1 إلى 2 يورو للكيلوغرام، ما زاد من تكلفة الاستيراد إلى جانب مصاريف الشحن. ومع ذلك، انتقد بشدة ما وصفه بـ”جشع المستوردين” الذين يساهمون في الحفاظ على أسعار مرتفعة بعد الذبح، مماثلة للأسعار المحلية، دون مراعاة لقدرة المواطن الشرائية.
كما حمّل بوتشيشي جزءاً من المسؤولية للحكومة، التي فشلت في فرض تسقيف أسعار اللحوم المستوردة، ولم تُفعّل المراقبة الصارمة على عمليات البيع، رغم الدعم السخي والإعفاءات الجمركية. واعتبر أن سياسات الدعم الحالية تذهب لجيوب كبار المستوردين، بينما يُقصى الكساب المحلي ولا يستفيد المواطن من أي تخفيض حقيقي في الأسعار.
وفي تشخيص أوسع للأزمة، اعتبر الخبير أن مخطط “المغرب الأخضر” ساهم في تقليص الأراضي المخصصة للرعي، مقابل التوسع في غرس الأشجار المثمرة كالأفوكادو والزيتون، ما أضر بالإنتاج الحيواني وتوفير الكلأ الطبيعي. وأضاف أن الجفاف فضح ضعف الرؤية الحكومية في هذا المجال، داعياً إلى مراجعة جذرية لمخطط “الجيل الأخضر”.
وفي ختام حديثه، شدد بوتشيشي على ضرورة القطع مع دعم الأعلاف في شكله التقليدي، وتوجيه التمويلات لدعم الإنتاج مباشرة، مطالبًا بتعويض الكسابة بعد القرار الأخير بمنع ذبح صغار إناث المجترات، وبضرورة تخصيص دعم مباشر لاستعادة القطيع الوطني ورفع المردودية، بدل تحميل الفلاح الصغير أعباء السياسات الفاشلة.