اشرف اولاد الفقيه يكتب : تدبير ازمة التعمير ورهانات التنمية (4)
اللجوء إلى منهجية التخطيط الاستراتيجي.
يشكل التخطيط الاستراتيجي جزءا من مجموع أدوات تدبير المقاولات، وإذا ما طبق في الحقل الحضري، فإنه سيسمح بضمان عقلنة أفضل لسيرورة اتخاذ القرار وتنظيم وتنسيق الجماعات العمومية من جهة، وعقلنة البنية من خلال إقامة ترابط بين التنظيم المجالي الفعلي للمواطنين وتنظيم إدارتهم من جهة ثانية.
إن التخطيط الاستراتيجي يدعو بطبيعته إلى إقامة تحالفات بين المجتمع المدني والسلطات العمومية، كما يشكل أداة قوية لتنمية شراكات منتجة بين العمومي والخاص، ويقترح نماذج أخرى للعمل والتنسيق: صفقات، عقد، قرارات، برمجة، شراكة..الخ.
والواقع أن التخطيط الاستراتيجي تتولد عنه ثقافة الفاعلين التي تشكل رأسمالا يفترض، على مستوى تدبير المدينة، وجود مديرين حقيقين يتمتعون بخبرة واسعة وقدرة فعلية على التغيير والإبداع، فالصعوبات الموجودة على مستوى النشاط العمومي المحلي لا ترتبط بجودة ترسانة القواعد التي تشكل قانونها، بل تعود إلى عدم تهيئ المناخ، وتهاون الناس وعجز ثقل سياسي متنافر ومشتت، الشيء الذي يمكن طرح معه سؤال اساسي وجوهري، ألم يحن الوقت بعد لمنح المدينة نظاما من الفاعلين والتمثيلية يتلائم وتعقيدات المدينة؟.
إن تقوية دعائم اللامركزية عبر نقل اختصاصات جيدة من الدولة إلى الجماعات الترابية، يستلزم إعادة تحديد مهام السلطات العمومية وذلك على ضوء الدور الجديد للدولة طبقا للتوجهات السامية: ” … فليس أمامنا إلا مواصلة تحديث وظائف الدولة، في توفير مناخ الثقة والاستقرار، وضمان سيادة القانون والحرص على مهام الضبط والتقويم وتعبئة الطاقات…”.
وعليه فإن الدولة أعادت تركيز عملها وذلك باقتصارها على مهام التأطير والتوجيه والمراقبة عن طريق دعم مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تباشرها الجماعات الترابية، وفي هذا الإطار فإن تدخل الدولة في دعم التنمية يتخذ بعدين أساسيين:
– البعد الأول: لدعم التنمية المحلية يتضمن جميع أشكال المواكبة والتنشيط الذي يسمح بإشراك وتعبئة الجماعات الترابية (التخطيط الاستراتيجي، مخططات متعددة السنوات)، بهدف تحسين خدمات المرافق العمومية المحلية.
– البعد الثاني: لدعم التنمية يرتبط مباشرة بتخصيص إعانات مباشرة للجماعات الترابية التي تتخذ إما شكل الاستشارة أو التوجيه أو الاستفادة من برامج التنمية بالإضافة إلى الحصول على المساعدات المالية، وتمكن هذه الأشكال الجديدة من الدعم من ظهور مشاريع تنموية كبرى تحفيزية للاستثمار ولخلق مناصب الشغل ولتحسين مستوى عيش الساكنة.
إن الديمقراطية الحضرية معقدة وثمينة إلى حد أنها لا يمكن إسنادها لأي كان، إنها تفترض وجود أسس مضمونة ذات طبيعة ديونتولوجية، فلا يجب أن تكون ممارسة السلطة المحلية ملغمة بطموحات حزبية، وزبونية، وأنانية، إذ يجب إضفاء طابع أخلاقي على هذه الطموحات، الأمر الذي يدعو إلى ثقافة جديدة للالتزام العمومي تفترض استقطاب رجال ونساء أكفاء ومخلصين، وناشري أفكار، وخبراء، وقادة فرق ومديري المشاريع ذاك أن المكان الذي لا توجد فيه المشاريع، لا توجد سوى المنافسات والنزاعات كما يجب العمل على ألا يفدي البؤس والفقر والهشاشة الحضريين طموحات القوى الرجعية والعدمية، إن الخطر يكمن هنا ويجب التعامل معه بجدية، إن مظاهر اللامساواة العميقة بالمجتمع المغربي، وغياب تدبير سديد ديمقراطي الشؤون العامة هي التي يسرت إلى ظهور مشاكل وأزمات في السنوات الأخيرة بالوسط الحضري، وبالتالي فعلى العمل من أجل الاندماج أن يندرج ضمن إستراتيجية شاملة وجماعية حيث يمكن لكل فاعل أن يلعب دورا تخليصيا في إطار صلاحيته.
إن إشراك مختلف الفاعلين العمومين (القطاعات الوزارية، المؤسسات العمومية، الجهات، العمالات أو الأقاليم، والجماعات الترابية)، لتحقيق برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المدن يتطلب المزيد من التنسيق بين مختلف الفاعلين من أجل عقلنة تدخلاتهم.
وهكذا يبدو ضروريا وضع إطار تعاقدي بين الدولة والمدينة، وذلك بهدف:
وضع إستراتيجية وطنية لتنمية المدن على المدى المتوسط والبعيد لضمان تنفيذ البرامج المتعاقد بشأنها،
توضيح المسؤوليات واحترام التزامات الأطراف المتعاقدة (الدولة والجماعات الترابية)،
تعبئة الموارد المالية لإنجاز مشاريع التنمية وفق مقاربة تشاركية وبرمجة متعددة السنوات تضمن كذلك التوازن المالي لميزانية الجماعة.
وهكذا فإن مأسسة العلاقة بين الدولة والمدن عبر عقد برامج يمكن أن يصبح الإطار المناسب لعقلنة مختلف التدخلات، وترسيخ مفهوم التضامن واستمرارية برامج التنمية، وهو ما يتطلب بالضرورة تدعيم السلطات المخولة للولاة على المستوى الترابي.
والواقع أن التدبير المحلي بعيد عن أن يكون خاضعا لمبادئ النجاعة والفاعلية، إذ أن حياة الأجهزة المحلية والحضرية ضعيفة، ويسودها الخلط في الأدوار، على قاعدة الجهل وعدم معرفة التنظيم القانوني للسلط، وتبادل المصالح أو حسابات خاصة وحزبية.
وهكذا يمكن تعريف الحكامة المحلية أو الحضرية كسيرورة من التدبير تسعى إلى تطبيق القيام بأنشطة عمومية قادرة على معالجة أزمة التدبير الحضري والتخطيط العمراني وفق خطة استراتيجية تتمثل في إنتاج المراحل التالية:
تنظيم المنهجية الإستراتيجية (قانون البيئة، توزيع المهام، الميزانية، الاستحقاق…) .
خلاصة
وخلاصة لما سبق وأخذا بعين الاعتبار لما تطرقنا إليه لموضوع تدبير ازمة التعمير ورهانات التنمية، فإن مبادئ الحكامة والتخطيط الاستراتيجي المطبقة على التدبير الحضري، تضع وبشكل رئيس، وزن المدن أمام رهانات التنظيم والتنمية والتوازن السوسيو – سياسي – اقتصادي.
ويضع تخطيط المدن من قبل السلطات العمومية مشكل التكوين، واتخاذ القرار، والوسائل والعلاقات بين الفاعلين، أي أن المنهجيات التعاقدية الجديدة تفرض تحقيق انخراط أفضل للمواطنين وللفاعلين الآخرين في تدبير إطار حياتهم.
وتتولد تنمية منهجية التعاقد عن إرادة تجاوز أنماط العمل، وضعف مردودية الالتزامات، والشروط الصعبة لممارسة النقاش العمومي وممارسة المسؤوليات.
إنه لمن المستعجل تبني مشروع حضري جديد يسمح بإنعاش مقاربة شاملة وأفقية للمشاكل، وإلا فإن تراثنا الحضري سيتلاشى وستصبح مدننا ناقصة فإذا ما أردنا أن نحاول التحكم في تطور مدننا وتغيير حياتنا، وإذا أردنا أن نوقف التدهور السريع لفضاءاتنا الحضرية، فإن علينا أن نصمم على الارتباط بالحداثة، أي نبدع حلولا جديدة أكثر من البحث في ماضينا عن الأجوبة الوهمية على رهانات وحقائق اليوم، فالعزم أكبر على تبني رؤية جديدة للمجال المغربي.
للتذكير: هذا المقال سبق ان قمت بنشره باحدى المجالات المتخصصة سنة 2010 ، “مجلة الفقه والقضاء”، ورغم مرور عقد من الزمن من نشره، ومن اجل تعميم الفائدة، قمت بتحينه واعادة نشره من جديد عبر حلقات، اولا لراهنيته و ان موضوع التعمير يبقى مجالا خصبا للبحث والدراسة، اتمنى ان اكون قد توفقت في مقاربة موضوع “ازمة التعمير و رهانات التنمية” باعتباره من مواضيع جد الشائكة والمعقدة ويبقى دائما موضعا يستحق الدراسة والبحث من جديد…
مع اسمى التحيات