اشرف اولاد الفقيه يكتب : تدبير ازمة التعمير ورهانات التنمية (2)

اشرف اولاد الفقيه يكتب:
تدبير ازمة التعمير ورهانات التنمية (2)

الحكامة الحضرية و التنمية المحلية

أصبحنا نسمع اليوم مصطلحات متعددة من قبيل التسيير والتدبير المحلي، الحكامة الحضرية او الترابية، وحدة المدنية، التدبير المعقلن، سياسة المدينة..الخ، وكلها مفاهيم تعني وصول تقنيات التسيير الحديث إلى تسيير المجال المحلي/ الترابي، وتمكنها من تشخيص وتحديث التسيير داخل أي مجال معين.

إن الاهتمام المتزايد للمجال بصفة خاصة و بالتعمير بصفة عامة، جاء كضرورة للمشاكل التي أصبحت تعرفها بعض القطاعات، خصوصا الاقتصادية منها و الاجتماعية، وذلك بالبحث عن الحلول الممكنة، للخروج من هذه المشاكل وبالتالي تدبير أزمة التعمير، في إطار ما يصطلح عليه بالحكامة الحضرية المحلية، والتي تأخذ التراب المحلي أو الجهوي حجر الزاوية لكل مقاربة تنموية وذلك راجع إلى ثلاثة أسباب:

1 – لكون التراب يشكل المستوى الذي يمكننا من تدابير وتقييم التبادلات بين المادة والمعلومة وبين المجتمعات ومحيطها،

2 – كل العناصر التي تبدوا نظرية ومجردة على المستوى المركزي مثل البصمة الإيكولوجية للشراكة المسؤولية، العلاقة بين الاجتماعي والاقتصادي تصبح على المستوى المحلي أشياء محسوسة وملموسة وقابلة للجس،

3 – يمثل التراب الملائم لتحديد فلسفة عامة للحكامة وتقويتها في الحدود الخاصة بكل تقليد من التقاليد المجتمعين.

هذه العوامل أو الأسباب أصبحت تتجلى داخل كل مجال كيفما كان نوعه ومستواه وذلك نظرا لعلاقة التأثير والتأثر، بين مختلف مكونات المجال من جهة، ومن جهة أخرى، بين المجال وباقي التفاعلات الخارجية الأخرى سواء المتعلقة بالمجالات، أو التي تفرضها المنافسة الدولية، وبالأخص بعد تنامي وانتشار، أفكار وتجليات أو آثار العولمة، خصوصا منها المتعلقة بالتنافسية الاقتصادية أو ما يصطلح عليه بعولمة الاقتصاد.

فإذا كانت السياسات السابقة في ميدان التعمير، قد أبانت عن فشلها في مجال تدبير المدن المغربية، وأفرزت عدة مشاكل تضافرت فيما بينها لتشكل أزمة قائمة بذاتها، فإننا اليوم مطالبون بإعادة النظر في مجموع السياسات السابقة ذهابا نحو الانتقال من تعمير تنظيمي يعتمد في أساسه على الهاجس الأمني، إلى تعمير تشاركي وتعاقدي يقوم على مقاربة تشاركية فعالة وناجعة قصد تدبير هذه الأزمة، وبالتالي تحقيق التنمية على جميع المستويات.

السياسة التعميرية نحو مقاربة أكثر فعالية.

رغم الإصلاحات الإدارية المتعددة التي تم اتخاذها في السنوات الأخيرة، فالجانب المؤسساتي ما زال مطبوعا بالمركزية، الشيء الذي أعطى فرصة لإقامة هياكل إدارية ثقيلة، و غير قادرة على التكيف مع المحيط الحضري المتحرك و المتطور بشكل دائم ومستمر، بحيث أن أجهزة الدولة فقط لها الحق في تحديد المصلحة العامة و تنفيذ ما بواسطة وثائق التعمير، فالدولة هي المنتج الوحيد للمشروع الحضري والمنتخبين يتم تهميشهم و الساكنة الحضرية يتم اعتبارها كفئة قاصرة، أما القطاع الخاص فعليه الخضوع للمعايير التي تضعها الدولة.

فإذا كان هذا النوع من التدبير التنظيمي، قد أبان عن نجاعة و فعالية في وقت من الأوقات، كما هو الشأن بالنسبة للمدن الأوروبية التي تم إنشاؤها إبان فترة الحماية بالعديد من المدن المغربية، او بخصوص المدن التي تم إنشاؤها بناء على هذا النموذج بعد الاستقلال، فإن الشروط التي كانت وراء إنجاح هذا النوع من التدبير لم يعد لها وجود والتي تتمثل في مايلي:

– إطار مؤسساتي مطبوع بمركزية استعمارية،
– قلة الفاعلين المؤسساتيين،
– انخفاض نسبة التمدين،
– غياب مجالس جماعية (منتخبة)،
– الدولة هي المنتج الأساسي للسكن.

إلا أنه ابتداء من أوساط السبعينات، ستعرف جميع هذه المتغيرات تحولات عميقة، تمثلت في تبني المسلسل الديمقراطي على المستوى الوطني، وتحويل الميثاق الجماعي ومن بعده القانون التنظيمي للجماعات الترابية، لمجموعة من الاختصاصات في مجال التعمير للمجالس الجماعية، وارتفاع نسبة التمدن بوثيرة لم تعد معها الدولة قادرة على تلبية احتياجات السكان في مجال السكن في الوقت الذي أصبح فيه القطاع الخاص هو المؤهل للمشاركة في تحقيق برامج السكن.

إلا أن هذا لم يغير من طريقة معالجة الدولة للتدبير الحضري، بل على العكس ستعمل على تكريس التدبير التنظيمي، بحيث تنظم وتقنن أكبر مما تبني.

وبتغير الظروف التي كانت وراء إنجاح التعمير التنظيمي، صار لزاما تبني مقاربة جديدة تعمل على تجاوز السلبيات التي شابت السياسة التعميرية، والبحث عن آفاق جديدة ترقى بالتعمير الحالي إلى تعمير تشاوري تعاقدي يستهدف تغيير طرق التدبير من مفهوم الحكم أو الحكومة إلى مفهوم الحكامة.

فإذا كان مفهوم حكومة المدن يرتبط أساسا بمركزية النشاط العمومي المبني على ميكانيزمات الرهان التنظيمي، الذي يرمي إلى تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، فإن مفهوم الحكومة يرمي عكس ذلك إلى الشكل التفاوضي للنشاط العمومي المؤسس على توزيع أوسع للسلط وعلى التنسيق بين مجموع الفاعلين.
يتبع …

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *