علي الغنبوري
ألقى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بحجر كبير في بركة التحالف الحكومي ، واصفا إياه بالتغول ، موقف قد يظن البعض ان راجع بالاساس الى التموقع السياسي الجديد للحزب بالمعارضة ، و رفض دعوته للالتحاق بالحكومة .
لكن المتتبع الجيد للساحة السياسية المغربية ، منذ سنة 2016 الى اليوم ، سيفهم جيدا وصف الاتحاد الاشتراكي للتحالف الحكومي ، و سيدرك ان ما تتعرض له المنظومة السياسية المغربية برمتها في ظل هذا الاصطفاف الحكومي ، يتوافق بشكل كبير مع وصف التغول.
فما افرزته انتخابات 2016 ، من صعود قوي للاسلاميين ، على اثر صراع ثنائي مع حزب الأصالة و المعاصرة المسنود و المخصب سياسيا و ماليا ، فرض إعادة ترتيب المشهد السياسي المغربي ، بما يضمن الحفاظ على تعددية هذا المشهد ، و ما يحمي من الهيمنة الجارفة التي ابان عليها الحزب الاسلامي .
الاتحاد الاشتراكي كفاعل سياسي تاريخي و مؤثر داخل الساحة السياسية المغربية ، كان له دور فعال في المساهمة في خلق أفق سياسي جديد ، خارج دائرة قطبية المال و الدين التي سيطرت على المناخ السياسي المغربي ، و ذلك من خلال استغلال الهامش الديمقراطي الذي يسمح به الدستور المغربي ، و نسج تحالف جديد مع مكونات سياسية أخرى ، هدف بالاساس الى المحافظة على تعددية الفاعلين السياسيين ، و تقوية الحضور الحداثي للمجتمع ، و ترجمته سياسيا ، سواء من قبل القوى الليبرالية الحقيقية او اليسارية .
انفتاح الاتحاد الاشتراكي على القوى الليبرالية ، كان مؤطرا بشرطين أساسيين ، الشرط الاجتماعي و الشرط الحداثي ، في إطار توافق شامل ينسجم مع التوافق الثابث الذي يتحكم في الفعل السياسي للحزب منذ حكومة التناوب ، فالحزب لا يجد اي حرج في اعلان اصطفافه مع الثوابت الوطنية ، و في مقدمتها المؤسسة الملكية ، و لا ينكر توافق رؤاه و قناعاته مع هذه الأخيرة .
فالاتحاد الاشتراكي ، في الاول و الاخير هو حزب وطني ، غير خارج عن الاجماع الوطني ، و يسعى الى التغيير و التطور من قلب المعادلة الوطنية ، لهذا فما تحكم في ممارسته السياسية منذ سنة 2016 ، هو شعوره و ادراكه بوجود مشروع وطني جاد للتغير و البناء الوطني المتماسك في ظل قواعد سياسية واضحة و شفافة ، تهدف بشكل اساسي لخدمة الوطن و تقويته و مناعته .
سير هذا المشروع السياسي الجديد ، و تقدم خطواته و مراحله ، و وضوح الاتحاد الاشتراكي ، و باقي الفاعلين السياسيين في هذا الطرح ، سيمكن من ربح رهان استحقاقات 8 شتنبر ، و سيمكن من هزيمة الإسلاميين ديمقراطيا ، و سيفرز خريطة سياسية تعددية ، و سيسهل مهمة البناء الوطني الجاد و الموضوعي ، بناء على طرح سياسي متكامل عنوانه العريض ، التنمية الاجتماعية الشاملة .
للاسف ما حصل بعد لحظة اعلان نتائج الاستحقاقات الانتخابية ، سيغير المعادلة برمتها ، و سيبرز للعلن نوايا لهدم كل ما تم بناؤه ، سرعان ما ستتكرس كواقع جديد ، من خلال تحالف غير مبرر و غير مفهوم بين ثلاث فرقاء سياسيين مختلفين و غير مترابطين سياسيا .
اعلان حزب الأصالة و المعاصرة ، المسؤول الاول عن كل الاختلالات الحاصلة في المشهد السياسي المغربي ، و المصطف منذ سنة 2016 ضد المشروع السياسي الجديد ، الذي ميز الفعل السياسي لحزب التجمع الوطني للاحرار قبل الانتخابات الأخيرة ، عزمه الدخول للحكومة ، سيثبت وجود توجه قوي للعودة للمربع الاول ، و سيحول التوجه التعددي الى رغبة حقيقية في الهيمنة و التغول السياسي .
تغول سياسي ، سيظهر جليا في بلاغات شبه عسكرية تفرض اقتسام كل المؤسسات المنتخبة محليا و جهويا بين ثلاثة أحزاب ، و في مقدمتها التجمع الوطني للاحرار ، الذي بدأ يظهر كفاقد لاي إرادة سياسية و منساق للواقع السياسي الجديد ، و مجبر على تقبل هذا الامر .
تشبث الاتحاد الاشتراكي و انسجامه مع مواقفه ، و تحالفاته و توافقاته السياسية ، التي خاض في سياقها انتخابات 8 شتنبر ، ستدفعه لتأكيد مشاركته بالحكومة ، و ابعاد حزب الأصالة و المعاصرة عنها ، كرسالة واضحة لرفضه للالتفاف على مشروع التعددية السياسية ، و البناء المجتمعي الجديد ، و شجب لنزوعات التغول الذي يريد البعض فرضه في المغرب ، كنهج سياسي جديد .
الاتحاد الاشتراكي المؤمن بقوة الوطن ، و الذي رفع شعار المغرب اولا في حملته الانتخابية ، بقي الى اخر لحظة متشبت بالمشروع السياسي الوطني الجاد ، و حذر بكل موضوعية و وطنية من مخاطر التغول السياسي ، و من الالتفاف على النتائج السياسية للاستحقاقات 8 شتنبر ، من خلاله تمسكه بالمشاركة في الحكومة ، و ابعاد حزب الأصالة و المعاصرة عنها ، حيث لم يجد بدا من الاصطفاف في المعارضة ، و رفض هذا التوجه السياسي الجديد.
خروج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، للمعارضة ، لا يعني تنصله من مواقفه السابقة و لا من توافقاته و تحالفاته السياسة السابقة للحظة انتخابات 8 شتنبر ، و لا انكار لكل ما قام به من فعل سياسي وطني منذ 2016 ، بل خروج الاتحاد للمعارضة ، هو اقتناع تام بضرورة مواجهة الالتفاف على الإرادة الشعبية ، و على التغول السياسي الذي تفرضه فرضا بعض الأطراف ، و مواجهة صريحة لاي نكوص او تراجع عن مكتسبات الشعب المغربي ، وهو كذلك رفض للترتيب غير المحسوب العواقب للساحة السياسية .