الإثراء غير المشروع كثير من الشعبوية قليل من الحقيقة

علي الغنبوري

يتابع الراي العام الوطني باهتمام كبير السجال المفتعل حول القانون الجنائي الجديد ، و ما رافقه من محاولات حثيثة لحزب العدالة و التنمية لايهام الجميع ان سبب تأخير اخراجه الى الوجود مرتبط بمادة داخله تتعلق بالاثراء غير المشروع .

ويزعم هذا الحزب ان الوزير الاتحادي بنعبد القادر ، يتلكأ في الدفع باخراج هذا القانون ، لتجاوز البند الخاص بالاثراء غير المشروع ، و وصل الامر الى حد خروج الوزير الرميد الى العلن في محاولة لاقتناص بنعبد القادر ، و الدفع بتهمة جاهزة تجعل منه عائقا امام محاربة الفساد و المفسدين .

وعندما تستمع لحشو الكلام الصادر عن الرميد و مجموعة من ناشطي حزبه على مواقع التواصل الاجتماعي ، تخال نفسك امام ملف اخلاقي تتوفر فيه كل عناصر التواطئ و التلكأ و الدفع باستمرار و حماية الفساد و المفسدين ، لكن شجرة هذه المادة المثيرة للجدل تخفي غابة من المناورات و المزايدات و البوليميك العقيم الذي دأب عليه هذا الحزب اتجاه كل المبادرات الجادة للاصلاح الحقيقي و العميق .

فهذا الحزب الذي سقط في كل اختبارات الاصلاح داخل المغرب ، و ابان عن ضعفه و انحيازه التام للشعبوية و للجهل و المصالح النفعية على حساب الشعب المغربي ( اصلاح انظمة التقاعد ، الزيادات الصاروخية في الاسعار ، رفع الدعم ، التعليم ، المنظومة الصحية وووو) ،يريد اليوم ان يجعل من مادة داخل القانون الجنائي المغربي ، مدخلا انتخابويا لحشر ليس فقط الوزير بنعبد القادر لوحده و انما حزب الاتحاد الاشتراكي في زاوية النقاش العقيم و البوليميك الفارغ ، لاظهاره بمظهر المعرقل للاصلاح و كذلك لمنع القيام بالاصلاحات الجوهرية لهذا القانون ، الذي باتت بعض مواده و بنوده تشكل عارا على مغرب القرن الواحد والعشرين، و التي يرفض هذا الحزب ذو المرجعية الدينية المساس بها ، تكريسا لمنطقه الرجعي و الماضوي .

السيد الرميد و جوقة المهاجمين من داخل حزبه للوزير الاتحادي ، نسوا او تناسوا ان هذا القانون ، قد وضع في اروقة البرلمان على عهد الرميد نفسه على راس وزارة العدل ، و ان النقاش حوله شهد اختلافات عديدة حول عدد من بنوده و مواده التي صيغت بعقلية متحجرة بعيدة عن منطق العدالة الجنائية التي من المفروض ان تؤطر هذا القانون ، و هو ما ادى الى تعثره منذ حكومة بنكيران و ليس اليوم .

فمشروع القانون الجنائي الجديد لم يشكل فقط موضوع اختلاف بين الفاعلين السياسيين داخل المؤسسة التشريعية ، بل شكل موضوع اختلافات كثيرة لدى عدد من المؤسسات الوطنية و القوى المجتمعية ، و هنا استحضر الراي الصريح الذي أبداه المجلس الوطني لحقوق الانسان بشأن عدد من بنود و مواد هذا القانون و التي اعتبرها مخلة لالتزامات المغرب الدولية فيما يخص عدد من الحريات و الحقوق ، التي كرس هذا المشروع صيغة العقاب و التجريم اتجاهها .

الرميد و معه حزب العدالة و التنمية ، لا يريدون ان يقتنعوا بان المجتمع المغربي في حالة تطور مستمر تتجاوز كل المعيقات و الحدود الوهمية التي يحاولون رسمها امامه باسم الدين ، و الدينامية التصاعدية للمجتمع اتجاه الحقوق و الحريات ، تلزمها اجابة قانونية تواكب هذه التطورات و المتغيرات التي يعيشها المجتمع .

و القانون الجنائي الحالي يجب ان يكون مناسبة لتصفية هذه التركة الرجعية و الماضوية و الضالمة التي تلف بنوده و مواده، بعيدا عن منطق المزايدات و التشويش المتعمد ، لاقفال قوس النقاش السياسي و المجتمعي حول هذا القانون الذي يؤطر الحياة المجتمعية المغربية ، فالقانون الجنائي ليس قانون اجرائي يحل اشكاليات تقنية معروفة النتائج و العواقب ،لكنه قانون ذو حمولة اجتماعية تحكم على العلاقة بين افراد المجتمع و يترتب عليه الجزاءات و العقاب ، ما يفرض عليه العدل و العدالة المطلقة.

فماذا يقول الرميد و حزبه ، في عقوبة الاعدام ، و الاجهاض، و الحريات الفردية ،و العقوبات البديلة ، و الاغتصاب ، و حماية الحياة الخاصة ، و التحرش…؟، فكلها نقاط خلافية و مصيرية تستوجب النقاش و التعديل ،لما يترتب عنها من الام و معاناة و تجاوزات خطيرة لحقوق الانسان .

للاسف الرميد و حزبه، يلعبون ورقة البولميك من اجل تفجير و نسف كل التطلاعات المجتمعية لتحقيق العدالة الجنائية ،وفق منظور متزمت و رجعي ،و منطق انتخابوي دنيء ، يريودن من خلاله اللعب على اوتار حساسية موضوع الاثراء غير المشروع لايقاف اي اصلاح قد يطال هذه التجاوزات الحقوقية التي يحملها مشروع القانون الجنائي الذي صاغه الرميد .

ما يجب ان يفهمه الرميد و حزبه ، ان الاثراء غير المشروع هو جريمة حقيقية يتوجب القطع معها و فرض كل الاليات القانونية لردع من يستفيذ منها ( علما ان حزبهم يعجب بمئات الحالات التي ظهر عليها اثار نعمة تسير الشان العام من بعد الإملاق) ، لكنها لا يمكنها باي حال من الاحوال ان تخفي و تمنع الاصلاح الكلي و الشامل للقانون الجنائي المغربي ، الذي تحمل بنوده و مواده عدد من التجاوزات و الاختلالات التي لا يمكنها ان تستمر ، في ظل التطورات التي يشهدها المجتمع ،و في ظل كذلك السيرورة التقدمية للمغرب .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *