بقلم: سعيد الكحل*
أسقطت قضية اعتقال أفراد من عائلة المدعو جراندو، عميل مخابرات لعبة الفار من العدالة، ورقة التوت عن سماسرة حقوق الإنسان ومنتحلي صفة المعارضة السياسية لنظام الحكم.
ملاك: “قميص عثمان” من لا قميص له.
ليس غريبا أن تحتشد أصوات ملل منتحلي المعارضة، رغم ما بينها من تنافر عقدي وإيديولوجي، لتجعل من الطفلة “ملاك” ذات 15 سنة “قميص عثمان” يرفعه أدعياء حقوق الطفل بغرض التأثير على مجرى العدالة في ملف خطير يتعلق بتشكيل شبكة مختصة في الابتزاز والتشهير يوظفها، مقابل عوائد مالية، المدعو هشام جراندو. وليس هدف تلك الملل المحتشدة هو الدفاع عن الطفولة وحماية المصالح الفضلى للطفل، بل نهش مفاصل الدولة كما تفعل الكلاب الضالة، أو “كلاب الدم” بالتعبير الشعبي، لإعاقة جهودها التنموية خدمة لأجندات متنافرة، داخلية (لخوانجية واليسار المتطرف) وخارجية (أعداء الوحدة الترابية للمغرب). لأجل هذه الأهداف الخسيسة تم التركيز على الطفلة ملاك بغرض التشهير بالدولة ونظامها السياسي والقضائي وتصويره كنظام لا يفرق بين الأطفال والبالغين. وقد استغلت الجوقة “الحقوقية” الحالة لتعلنها “معركة” ضد القضاء، وهي في جوهرها معركة ضد النظام، وحلقة من حلقاتها المتواصلة منذ سابع أكتوبر 2023. ولأنها كذلك، فقد لجأت إلى التهييج العاطفي وتزييف الحقائق وتوظيف المغالطات لحشد التأييد واستغلال إما سذاجة أو حسن نوايا البعض. و من أجل فضح خلفيات هذه الحملة وكشف مغالطاتها يكون مهما تقديم المعلومات التالية:
1 ـ إن الطفلة ملاك تبلغ من العمر 15 سنة وليس 13.
2 ـ إن القانون الجنائي المغربي في المادة 473 ينص على (لا يمكن أن يودع في مؤسسة سجنية، ولو بصفة مؤقتة، الحدث الذي يتراوح عمره بين 12 و 18 سنة إلا إذا ظهر أن هذا التدبير ضروري أو استحال اتخاذ أي تدبير آخر، وفي هذه الحالة يحتفظ بالحدث في جناح خاص، أو عند عدم وجوده، في مكان خاص معزول عن أماكن وضع الرشداء).وبناء عليه قرر قاضي الأحداث إيداعها بمركز لحماية الطفولة وليس بالسجن. وبالتالي لا وجود لأي خرق للقانون.
3 ـ إن الطفلة ملاك ليست استثناء في المتابعة القضائية أو وضعها في مركز حماية الطفولة. فحسب وزير العدل عبد اللطيف وهبي فإن أكثر من 29ألف طفل تورطوا في 24 ألف قضية وأن 355 قاصر تم اعتقالهم احتياطيا سنة 2022 .وهنا تتكشف خلفيات هذه الحملة وأهداف متزعميها؛ إذا لو كانت الطفولة هي محركهم ومراعاة مصالحها الفضلى هي ديدنهم، لهبّوا لإثارة ملفات 29 ألف قاصر. ملاك هي “قميص عثمان” كل جهة توظفها لحساباتها الضيقة. هناك أطفال تم حبسهم أو سجنهم لما اقترفوه من أفعال يعاقب عليها القانون. وهذه بعض الحالات منهم والتي لم يتضامن معها تجار حقوق الإنسان:
أ ـاعتقال وإدانة أربعة قاصرين بالحبس النافذ لمدة 3 سنوات في قضية التحرش الجماعي الذي تعرضت له شابة في الشارع العام بمدينة طنجة في شتنبر 2024.
ب ـ في27 نونبر 2024، أدانت المحكمة بطنجة فتاة قاصر بـ15 سنة سجنا نافذة، من أجل «جناية القتل العمد واخفاء أشياء متحصل عليها من سرقة».
ج ـ في 2003، تم اعتقال “توأم القاعدة” اللتين جندهما تنظيم القاعدة الإرهابي لتفجير مبنى البرلمان، وأدينتا بخمس سنوات حبسا نافذا.
4 ـ إن المغرب ليس استثناء في حبس القاصرين المتورطين في أفعال يعاقب عليها القانون. فكل دول العالم، وعلى رأسها الدول الديمقراطية، تتبنى قوانين أشد صرامة من التي يطبقها المغرب، ومنها:
أ ـ إنجلترا وويلز(بلاد الغال)، إذ منذ مقتل طفل يبلغ من العمر عامين في عام 1993، على يد طفلين يبلغان من العمر عشر سنوات، أصبح الأطفال يتحملون المسؤولية الكاملة عن أفعالهم الإجرامية منذ سن العاشرة. وهذا هو أحد أدنى الأعمار الدنيا للمسؤولية الجنائية في العالم.
ب ـ بلجيكا تعتبر الطفل في سن 12 مسؤولا جنائيا إذا ارتكب جنحة أو جناية. ملاك عندها 15 سنة.
5 ـ فرنسا، عدد القاصرين المسجونين في عام 2022، بلغ 3142. وفي بداية شهر يناير 2023، تم احتجاز 614 قاصرًا (61% منهم في الحبس الاحتياطي، بانخفاض قدره 16% مقارنة بأول يناير 2021). وفي ماي 2024 بلغ عدد القاصرين المسجونين819.
واضح إذن، أن المغرب كمثل بقية دول العالم، لا يسقط المسؤولية الجنائية عن القاصرين في سنة 12 سنة فما فوق، وإن كانت دول أخرى تتخذ سن العشر سنوات حدا أدنى للمسؤولية الجنائية. وبهذا لم يخرق المغرب الاتفاقيات التي صادق عليها كما يزعم سماسرة حقوق الإنسان.
شافو الربيع ما شافو الحافة.
حسب بلاغ للمحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء، فإن أعضاء شبكة النصب والابتزاز التي شكلها المدعو هشام جراندو، تمت متابعتهم بتهم المشاركة في إهانة هيئة دستورية، والمشاركة في إهانة هيئة منظمة، والمشاركة في بث ونشر ادعاءات ووقائع كاذبة بغرض المساس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم، والمشاركة في جنحة التهديد، مع إضافة تهمة المشاركة في إهانة محام بمناسبة قيامه بمهامه بالنسبة للمتهم الخامس. لقد وظّف العميل الخائن جراندو أفراد عائلته المعتقلين في ارتكاب أفعال يعاقب عليها القانون. ولم يكونوا يتوقعون انكشاف أمر جرائمهم واعتقالهم بسببها. كان همّهم الرئيس هو المال المتحصل من الابتزاز والتشهير خدمة للأهداف الخسيسة لزعيم الشبكة الذي ضحى بهم من أجل مصالحه المادية. وحتى يدفع عنهم التهم، ادعى المرتزق أن اعتقال المشتبه فيهم كان بدافع الانتقام بسببه وهو الفارّ إلى كندا. مغالطة تلقفها “المؤلفة قلوبهم” ليعزفوا عليها شعارات عدائهم للدولة ويغذّوا بها فلولهم. مغالطة لم تصمد أمام الواقع الذي يشهد أن عائلات الغربان الناعقة في الخارج وعملاء الجزائر ومرتزقتها أمثال الإرهابي حاجب، والعملاء: إدريس فرحان، وعلي لمرابط، وزكرياء المومني والكوبل الفيلالي وغيرهم تعيش حياتها العادية وتمارس وظائفها في أسلاك الدولة وأنشطتها المختلفة بكل حرية دون انتقام أو تضييق. ويشهد كذلك أن زوجة النصّاب جراندو وأبناءه يزورون المغرب سنويا ولم يحدث أن تعرضوا للمضايقة في مطارات المغرب أو اعتُقلوا. بل إن جراندو نفسه يرسلهم إلى المغرب وهو مطمئن من أن الدولة لن تأخذهم بجريرته. ولو أن الدولة تريد الانتقام أو الابتزاز لكان اعتقال الزوجة والأولاد أولى وأهم من اعتقال الأخت وزوجها وأولادها. الأمر الذي يفند ما يروجه سماسرة حقوق الإنسان من مغالطات والتي هدفها ابتزاز الدولة لفرض “حصانة” لكل عميل مرتزق ومن انخرط معه في إجرامه، لتجد الدولة نفسها أمام فئة من “المحميين” يعيثون تشهيرا وفسادا وابتزازا دون أن يطولهم القانون.
شاهد الذيب وشاهد كعلالتو.
إن قضية الطفلة “ملاك” عرّت عن الأطراف التي تتكامل أدوارها العدائية ضد الدولة ومؤسساتها الدستورية. فالغربان الناعقة من خارج المغرب تروج الإشاعات المغرضة والأراجيف لتضليل الرأي العام وخلق حالة من التشويش والبلبلة عساها تُضعف، من جهة، الثقة في المؤسسات وعلى رأسها المؤسسة الأمنية بقطبيها الداخلي (المديرية العامة للأمن الوطني) والخارجي (الإدارة العامة للدراسات والمستندات“لادجيد”)؛ ومن أخرى تشكك في ولائها للملك وللوطن. وفي هذا الإطار تناسلت أراجيف الخونة حول صحة الملك والعلاقة بين الأمراء، و”المؤامرات” الانقلابية الوهمية. فيما الطابور الخامس يجيّش فلوله للنيل من عزيمة الدولة في تطبيق القانون وحماية الأفراد من شبكات الابتزاز والاتجار بالبشر. لهذا فتحوا جبهات التسيّب باسم حرية التظاهر ضد التطبيع لتجريد الدولة من عناصر قوتها العسكرية والدبلوماسية المضافة والمكتسبة من اتفاقية أبراهام، وباسم دعم غزة، وهي القضية التي لا يريدونها أن تنتهي لما تحققه لهم من فوائد، ثم باسم مساندة “المعتقلين السياسيين” الذين اعتقلوا على خلفية الإشادة بالإرهاب أو التحريض على الكراهية، أو التشهير بالمؤسسات الدستورية أو إهانة موظفين. وهاهم يضيفون إليها اليوم وقفات مطالبة بإطلاق سراح “ملاك” وكأن ما ارتكبته لا يعاقب عليه القانون. وما يثير السخرية أن الذين يرفضون اعتقال “طفلة” باسم المصلحة الفضلى للطفل هم أنفسهم من يصرون على تزويج القاصر ذات 15 سنة من عمرها؛ ومن يطالبون بالمساواة أمام القانون هم أنفسهم يطالبون بعدم محاكمة المشتبه فيهم من أفراد شبكة جراندو.
هكذا تتكامل الأدوار بين “المؤلفة قلوبهم” وتلتقي عند معاداة النظام والتشكيك في ولاء الأجهزة الأمنية خدمة لأعداء الوطن الذين أفشلت ـ هذه الأجهزةـ مخططاتهم التخريبية وخلاياهم الإرهابية.
*سعيد الكحل (باحث متخصص في الإسلام السياسي والتنظيمات المتطرفة والإرهاب)