ابو ادام
لم يعد المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ذلك الفضاء السياسي الصاخب والمشتعل بالنقاشات الفكرية والمواقف الجريئة كما عهدته أجيال المناضلين في عهد القادة الكبار: عبد الرحيم بوعبيد، عبد الرحمن اليوسفي، محمد اليازغي وعبد الواحد الراضي. بل تحوّل، في عهد إدريس لشكر، إلى مجرد مناسبة شكلية لترديد عبارات التمجيد والإشادة بالكاتب الأول، في مشهد أقرب إلى احتفال شخصي منه إلى ممارسة ديمقراطية حزبية.
منذ أن تسلم إدريس لشكر مقاليد القيادة الحزبية، تم تجريد المجلس الوطني من روحه ومكانته كمؤسسة تقريرية عليا، واختزلت الاجتماعات من أيام إلى ساعات وغابت عنها حرارة النقاش الجاد، وحذفت الانتقادات وصودرت الأصوات الحرة حتى أصبح أعضاء المجلس يتفرقون إلى منازلهم وكأنهم حضروا مناسبة عائلية خافتة لا اجتماعاً حزبياً مصيرياً.
لقد فقدت بيانات المجلس بريقها وتحولت إلى نصوص باردة، لا تصنع الحدث ولا تثير الجدل، ولا تعكس حجم التحولات المجتمعية الكبرى، كما كانت تفعل في السابق.
لم تعد بيانات الحزب تحمل أي جرأة أو وضوح أو نقد حقيقي، بل أصبحت بلاغات للتبجيل والتصفيق ورفع صور القائد، في قطيعة صادمة مع تقاليد الحزب التي تأسست على النقد الذاتي والمساءلة والمواقف المبدئية.
الاجتماع الأخير للمجلس الوطني المنعقد في 26 يوليوز 2026 مثّل نموذجاً صارخاً لهذا التقهقر، ففي غضون ساعتين خرج المجتمعون ببيان يتيم لا يحمل سوى عبارات المجاملة والثناءووكأنه منقول من كتيب دعائي لا علاقة له بسياق سياسي واقتصادي واجتماعي مأزوم.
المفارقة أن البيان أشار بشكل باهت إلى الأزمة المائية، ثم عرّج سريعاً على مدح “الدينامية التنظيمية” التي يشرف عليها لشكر، مُظهراً إيّاه في صورة القائد الفذ الذي لا يخطئ، في حين يعيش الحزب عزلة سياسية وتنظيماً مترهلاً، وإفلاساً في المبادرة والتأثير.
لقد نجح لشكر في تفريغ الحزب من محتواه السياسي والنضالي، عبر تكريس عبادة الفرد وتدجين المؤسسات الداخلية، مما أفقد الاتحاد الاشتراكي ثقة الرأي العام وأضعف حضوره في الحقل السياسي.
ولم يعد للحزب، في عهد هذا الرجل، أي إشعاع ولا موقف جريء يذكر، باستثناء ما يُسوّق له عبر بلاغات تضليلية لا تعكس حقيقة ما يجري داخل الحزب أو خارجه.
حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي كان يوماً مدرسة في النضال والتضحية، يعيش اليوم لحظة اختناق تاريخي، يتحمل مسؤوليتها إدريس لشكر ومن يدورون في فلكه، وإذا لم ينبعث صوت النقد الصادق من داخله، ويُكسر جدار الصمت والانبطاح، فإن النهاية قد تكون وشيكة.