في سياق يتسم بتراجع غير مسبوق في الثقة بالفاعل السياسي، ووسط تنامي عزوف الشباب عن المشاركة في العمل الحزبي والمؤسساتي، يطلق حزب الأصالة والمعاصرة مبادرة “جيل 2030”.
إن المبادرة، كما تم تقديمها رسميًا، تهدف إلى إعادة بناء جسور الثقة بين الشباب والعمل السياسي، من خلال منصة رقمية تسعى إلى استقطاب الفئة الشابة وإشراكها في صياغة السياسات العمومية. غير أن هذا الطرح، في سياق الأزمة السياسية الراهنة، يثير أسئلة جوهرية حول مدى جديته ومصداقيته، بل وحول نوايا الحزب الحقيقية من وراء هذه الخطوة.
أول إشكالية تواجه هذه المبادرة هي التناقض الصارخ بين خطاب الحزب وممارساته الفعلية داخل المشهد السياسي المغربي. إذ كيف يمكن لحزب يشكل جزءًا من الأغلبية الحكومية، ويساهم في صياغة وتبرير قرارات لاشعبية تمس بشكل مباشر القدرة الشرائية للمغاربة، أن يتحدث عن إشراك الشباب في وضع السياسات العمومية؟ أي مصداقية لمبادرة تروج لإشراك الشباب بينما الحكومة التي ينتمي إليها الحزب تكرس سياسات الإقصاء الاقتصادي والاجتماعي لهذه الفئة، وتفشل في تقديم بدائل حقيقية لمشاكل البطالة والهشاشة والتهميش؟
ثانيًا، المبادرة في جوهرها ليست سوى محاولة لإضفاء طابع “رقمي” على ممارسة حزبية تقليدية فقدت بريقها. الحديث عن “منصة رقمية” لاستقطاب الشباب لا يعدو كونه تجميلًا لواقع مأزوم، حيث لم تعد الأحزاب قادرة على الإقناع لا بالبرامج ولا بالخطابات. فهل يُعقل أن يكون الحل لأزمة الثقة السياسية هو مجرد فضاء افتراضي جديد؟ وهل يمكن لمنصة إلكترونية أن تعوّض غياب رؤية سياسية جادة تستجيب لتطلعات الشباب في التشغيل والعدالة الاجتماعية والتنمية الحقيقية؟
ثالثًا، تتجاهل هذه المبادرة أن العزوف عن العمل السياسي ليس أزمة وعي أو انقطاع في التواصل بين الأحزاب والشباب، بل هو نتيجة طبيعية لأزمة مشروعية أعمق. فالمشكلة ليست في أن الشباب لا يريدون المشاركة، بل في أن الأحزاب، ومنها حزب الأصالة والمعاصرة، لم تعد تقدم بدائل مقنعة. المبادرات الحقيقية لا تُبنى على “منصات إلكترونية”، بل على مراجعات جذرية لطرق تدبير الشأن العام، على إصلاحات هيكلية تعيد للسياسة دورها في التغيير، وليس في تلميع الصورة عبر مشاريع دعائية.
رابعًا، ما يدعو إلى التساؤل هو توقيت هذه المبادرة. في الوقت الذي يواجه فيه المغرب تحديات اقتصادية واجتماعية كبرى، وحيث يعاني الشباب من أزمة التشغيل وضعف الفرص الاقتصادية، يتم الإعلان عن مشروع يبدو في مضمونه منفصلًا عن الأولويات الحقيقية. فهل هذه محاولة استباقية لامتصاص الغضب الشعبي وإعطاء الانطباع بأن هناك اهتمامًا سياسيًا بمطالب الشباب، دون أي التزام حقيقي بإصلاحات جوهرية؟ أم أن الحزب يحاول ترميم شعبيته عبر “إعادة تدوير” خطاب المشاركة الشبابية دون تقديم أي مضمون ملموس؟
تظل “جيل 2030” مبادرة محكومة بسقفها الحزبي الضيق، غير قادرة على تجاوز واقع الأزمة العميقة التي تعاني منها المنظومة الحزبية برمتها. إن كان حزب الأصالة والمعاصرة جادًا في إعادة الثقة، فإن المطلوب ليس إطلاق منصات إلكترونية، بل مراجعة حقيقية لخياراته السياسية، والاعتراف بأن الأزمة ليست في قلة التواصل، بل في غياب الإرادة الفعلية لتغيير الممارسات والسياسات التي كرست نفور الشباب من العمل السياسي. أي جيل 2030 نريد؟ جيل منصات افتراضية بلا تأثير، أم جيل سياسات حقيقية قادرة على إحداث التغيير؟