خالد بوبكري
أكد البنك الدولي في تقريره الصادر تحت عنوان “بناء مستقبل مائي آمن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” أن المغرب يُعدّ من الدول الرائدة إقليميًا في ابتكار حلول لمواجهة أزمة الماء، من خلال مشاريع استراتيجية تجمع بين الحكامة الجيدة، والابتكار التكنولوجي، والاستثمار في البنية التحتية الخضراء.

ويأتي هذا الاعتراف الدولي في وقت تواجه فيه المنطقة العربية واحدة من أخطر موجات الجفاف في تاريخها الحديث، حيث يقل متوسط نصيب الفرد من المياه في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن 480 مترًا مكعبًا سنويًا، مقارنة بـ5,500 متر مكعب عالميًا، وهو ما يجعل المغرب في سباق مع الزمن لتأمين احتياجاته من الماء والغذاء والطاقة.
يعتبر مشروع “المياه المستدامة والمرنة في الزراعة” الذي ينفذ في منطقة شتوكة على الساحل الأطلسي نموذجًا يحتذى به في العالم، إذ ساهم في إنقاذ الفرشة المائية التي كانت مهددة بالنضوب بسبب الإفراط في الضخّ.
ويعتمد المشروع على محطة لتحلية مياه البحر تُوجَّه نصف طاقتها لريّ الأراضي الزراعية، بينما يتمّ تزويد المزارعين بعدادات ذكية لمراقبة الاستهلاك والتحكم في الضخّ من الآبار.
هذا التحول الكبير، الذي يدعمه البنك الدولي بشراكة مع السلطات المغربية، أعاد التوازن إلى النظام المائي والزراعي في واحدة من أهم المناطق الإنتاجية في البلاد، إذ تنتج شتوكة 95% من الطماطم المغربية و90% من صادراتها نحو الأسواق الأوروبية والإفريقية.
المهندسة الريفية كنزة لوهابي أوضحت أن المشروع “يمثل نموذجًا مبتكرًا للتدبير المشترك للمياه الجوفية والمياه السطحية والمياه المحلاة”، مضيفة أن “المنطقة كانت على وشك مواجهة أزمة بيئية واقتصادية حادة، لولا هذا التدخل الاستباقي”.
وفي مدينة مراكش، حيث تتزايد الضغوط على الموارد المائية بسبب التوسع العمراني والنمو السياحي، يعمل برنامج الأمن المائي والمرونة على إعادة استعمال المياه العادمة بعد معالجتها.
وبحسب البنك الدولي، أصبحت المدينة اليوم تعيد استعمال 30% من مياهها العادمة لري المساحات الخضراء والحدائق العامة، مما خفّف من آثار الجفاف المتكرر وحافظ على طابع المدينة السياحي.
وقال مصطفى الرامي، مدير عمليات التطهير بشركة توزيع الماء بمراكش، إن “هذا المشروع سمح للسكان بعدم الشعور بنقص المياه رغم الجفاف، إذ أصبحت الحدائق والمنتزهات خضراء بفضل إعادة استعمال المياه”.
وتندرج هذه المشاريع ضمن إستراتيجية المغرب الوطنية للماء 2050، التي تهدف إلى ضمان الأمن المائي والغذائي عبر أربعة محاور رئيسية:
1. توسيع محطات التحلية لتغطية المدن الساحلية الكبرى.
2. تثمين المياه المعالجة لإعادة استعمالها في الزراعة والصناعة.
3. تحسين حكامة القطاع المائي من خلال المراقبة الرقمية لشبكات التوزيع.
4. تعزيز الوعي المجتمعي بضرورة الاقتصاد في الماء.
كما يعمل برنامج الأمن المائي والمرونة، الممول من البنك الدولي، في ستة أحواض مائية تغطي 75% من الناتج الداخلي الخام للمغرب، ويهدف إلى توفير 20 مليون متر مكعب من مياه الشرب عبر إصلاح شبكات التوزيع، وتعبئة 52 مليون متر مكعب من المياه المعالجة لإعادة الاستخدام، أي أكثر من نصف الهدف الوطني المحدد لسنة 2030.
يرى البنك الدولي أن التجربة المغربية تقدم نموذجًا يحتذى به لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في إدارة الموارد المائية بشكل متكامل ومستدام، مؤكدًا أن “الابتكار المغربي في مجال تحلية المياه وإعادة الاستخدام يمثل ثورة هادئة في السياسات المائية”.
وقال عثمان ديون، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “المغرب يقدم مثالًا عمليًا على أن الإرادة السياسية والتخطيط الاستراتيجي قادران على تحويل تحديات الندرة إلى فرص للتنمية المستدامة.”
من شتوكة إلى مراكش، يبرهن المغرب أن الماء ليس مجرد مورد طبيعي بل أساس للحياة والتنمية. ومع استمرار المشاريع المائية الكبرى، والتحول نحو إدارة أكثر نجاعة واستدامة، يرسخ المغرب مكانته كـ رائد إقليمي في الأمن المائي والغذائي في عالم يتجه نحو مزيد من الندرة.
المصدر: البنك الدولي – تقرير “Building a Water-Secure Future in the Middle East and North Africa” – أبريل 2025.






