وسيم الشابي (باحث في علم الإدارة والمالية)
يمر عالم اليوم بثورات وتحولات متسارعة لعل أهمها التحولات العلمية والتكنولوجية وما ارتبط بها من انفجار معرفي وتقدم علمي وتحولات في الاتصالات جعلت من العالم قرية كونية واحدة، إضافة لذلك التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكا فرضته على العالم لمراجعة انظمته الإدارية والتأكيد على ضرورة الارتقاء بجودتها وإعادة هيكلتها لمواكبة هذه التحولات العالمية.
ومن هذا المنطلق، تعد مسألة تدريب وتكوين الموارد البشرية وتنميتها من الموضوعات المهمة لأية إدارة، حيث أن العنصر البشري هو المحرك الاساسي لمواردها، وخاصة عندما يتمتع بمهارات وقدرات وخبرات جديدة تعلو به عن مجرد الخبرة المكتسبة من طول مدة عمله في الادارة. لذا بات من الضروري إعادة النظر في نظم التدريب والتكوين المستمر. ولقد حدثت تطورات كبيرة في برامج إعداد الموارد البشرية وتدريبهم أثناء الخدمة في الدول المتقدمة، لكن ما زالت الدولة النامية ومن ضمنها بلدنا تتبع الأساليب التقليدية في مجال التدريب، ومن هذا برزت الحاجة الملحة لإعتماد أسلوب التدريب الالكتروني كبديل أكثر كفاءة وفعالية وعصرية عن التدريب التقليدي.
ومما لا شك فيه، أن الإدارة العمومية المغربية بدلت منذ الاستقلال جهودا لتطوير قدرات ومهارات الموارد البشرية العاملة بها، حيث تبنت الحكومات المتعاقبة ضمن برامجها آليات تنظيمية ومؤسساتية لتنسيق الجهود في مجال التكوين والتكوين المستمر وكسب رهانات الحداثة والعصرنة.
عودة للموضوع حيث يعد مفهوم التدريب الالكتروني هو ذلك العمل الذي يسعى الى توظيف تقنيات وتطبيقات الحاسوب والشبكة المعلوماتية وغيرها في دعم العملية التدريبية التي تتم في بيئات التدريب التي تستند إلى وجود المتدربين في ذات المكان والزمان، كما يعرف التدريب الالكتروني كونه تلك العملية التدريبية التي تستخدم شبكة الانترنت لعرض وتقديم الحقائب الالكترونية او التفاعل مع المتدربين سواء بشكل متزامن او غير متزامن او بقيادة المدرب او بدون مدرب او مزيج بين ذلك كله. ويعد التدريب الالكتروني أحد أنواع التدريب عن بعد، يكون فيها المتدرب مفصولا او بعيدا عن المدرب بمسافة جغرافية يتم عادة سدها باستخدام وسائل الاتصال الحديثة، كما يمكن المتدرب من التحصيل العلمي والاستفادة من العملية التدريبية بكافة جوانبها دون الانتقال الى موقع التدريب، وتتمثل أهذاف التدريب الالكتروني في مساعدة الادارات العمومية والخاصة لتعديل وتطوير الطرق التقليدية في تنمية مورادها البشرية، بحيث يتم تهيئة المتدربين للوصول الى انتاجية اكبر باستخدام التقنيات المعاصرة اثناء التدرب واعدادهم لتوظيفها بصورة فعالة داخل الادارات.
ومن المؤكد أن للتدريب أهمية كبيرة في بناء الانسان وتطويره وخصوصا في هذا العصر الذي يتسم بالتطور والتقدم العلمي المتسارع في كل مناحي الحياة، الشئ الذي يضع الموظف أمام مسؤوليات جديدة ومهام كثيرة، كما ان أهميته الكبيرة تظهر من خلال رفع كفاءة وانتاجية الموظفين ومدهم بأفضل الطرق والممارسات والاساليب في ميدان وظيفتهم، والمغرب بدوره لن يتوانى عن بذل جهود حقيقية من اجل إصلاح منظومة التكوين في الإدارة العمومية منذ الاستقلال الى الآن، والتي توجت بإصدار مرسوم متعلق بالتكوين المستمر لفائدة موظفي وأعوان الدولة سنة 2006، واتخاذ استراتيجية لتفعيله سنة 2009 (قرار الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بتحديث القطاعات العامة رقم 1741.09 صادر بتاريخ 14 رجب 1430 الموافق ل 7 يوليوز 2009) تهذف الى بناء منظومة متطورة لتنمية الموارد البشرية تمكن من الانتقال من التدبير الإداري التقليدي للموظفين الى تدبير عصري حديث للموارد البشرية، وانطلاقا مما سبق، تتجلى أهمية التدريب الالكتروني اثناء مزاولة الوظيفة من خلال النقاط التالية :
☑يكسب التدريب الالكتروني المتدرب مجموعة من المعارف والمهارات.
☑يكسب الموظف خبرات جديدة تؤهله للإرتفاء وتحمل المسؤولية في العمل.
☑ينمي التدريب لدى الموظف المرونة والقدرة على التكيف في حياته العملية.
☑زيادة المهارات والكفاءات التي تؤدي الى تقليل نسبة الخطأ في العمل.
☑زيادة الإنتاجية والاداء التنظيمي، إذ أن إكساب الموظفين المهارات والمعارف من اجل اداء وظائفهم يساعدهم في تنفيذ المهام الموكلة إليهم بكفاءة وتقليص الوقت والموارد المادية المستخدمة في العمل.
☑يؤدي الى توضيح السياسات العامة للإدارة والأهذاف المراد تحقيقها.
إن الأخد بأسلوب التدريب الالكتروني يعد فرصة للإرتفاء بأداء الإدارة، حيث أصبح وسيلة فعالة لرفع كفاءة الموارد البشرية وتحسين وتطوير وتنمية أدائها ومهاراتها وتخفيف الاعباء الإدارية عنها، بحيث أصبح التدريب الالكتروني خيارا استراتيجيا لتنمية وتطوير الموارد البشرية، كما انه استثمار مستمر لمواكبة التطورات الحديثة التي يحتاجها الموظفون لتطوير مهاراتهم(ن) وخبراتهم وأدائهم، والذي ينعكس على تطوير وتحديث الادارات العمومية في بلدنا.
وفي إطار التطور الذي عرفه هذا المجال على مر السنين، برزت الى الوجود مجموعة من الوسائل المستخدمة في عملية التدريب الالكتروني أثبتت فعاليتها والغاية من اكتشافها، حيث تساعد هذه الوسائل والاساليب التدريبية على انتقال المعارف والمهارات والمعلومات المختلفة من الملقي الى المتلقي، وتعزز من قدرة المتلقي على اكتساب تلك المعرفة والمهارات وذلك بمخاطبة أكبر قدرة من الحواس لديه، وبالتالي تتعدد أنواع التدريب الالكتروني على شبكة الانترنيت منها المتزامن وغير المتزامن ، فالتدريب الالكتروني المتزامن (synchronous E-Training) الذي يعد من أكثر الاساليب التدريبية تطورا حيث يتواجد المدرب والمتدربين على الشبكة في آن واحد للمشاركة في العملية التدريبية، مما يفسح المجال للتفاعل المباشر والاندماج أثناء عملية التدريب بمشاهدة المدرب والإستمتاع له ومناقشته. ومن مزايا هذا النوع التدريب ان المدرب يستطيع ان يحصل على التغدية الراجعة من المتدربين بشكل مباشر. أما التدريب الالكتروني غير المتزامن (Asynchronous E-Training) حيث أن في هذا النوع يتم التدريب بين المتدرب والمدرب في غير الوقت الفعلي للتدريب على الشبكة، وبالتالي يختار المتدرب الوقت الذي يناسبه وفق برنامج تدريب مخطط له ينتقي فيه الأوقات والأماكن التي تتناسب مع ظروفه عن طريق توظيف بعض اساليب التدريب الالكتروني وأدواته.
أما الوسائل المعتمدة في التدريب الالكتروني على الأنترنيت حيث تعد شبكة الانترنت فضاء يوفر العديد من الأدوات والبرمجيات التي تمكن المتدربين من الاستفادة من خدماتها، ومن أهم هذه الوسائل التي أسهمت بالنمو والانتشار في الدولة المتقدمة نجد الشبكة الدولية للمعلومات word wide web التي تعنى بنشر المقررات الالكترونيه والابحار الافتراضي بين المواقع المتنوعة سواء كانت تعليمية أو اجتماعية أو سياسية. ذلك بالإضافة إلى المؤتمرات المرئية والمسموعة Vidéo-conferencing الذي يتيح نقل حوار مسموع او مصور عبر الانترنيت تدرس فيه المواضيع وجها لوجه. كما نخص بالدكر اللوح الأبيض التشاركي Shared White Board الذي يعد عبارة عن سبورة إلكترونية تزامنية تستخدم كبديل عن السبورة التقليدية، حيت يسجل المتدربين الدخول على موقع خاص بذلك، ويقوم المدرب بتنفيذ محاضراته من خلال اللوحة البيضاء الرقمية لعرض رسومات وتطبيقات لجميع المتدربين.
ومن اجل افضل الطريق والوسائل لأجراة التدريب الالكتروني بلادنا فإن التوجهات الملكية السامية وكذا السياسة الحكومية الجديدة تتمحور حول تسريع وتيرة التحويل الرقمي بالمغرب، وبالتالي تعزيز مكانة المملكة كرائد إقليمي في مجال الرقمنة. بالإضافة إلى النموذج التنموي الجديد في أفق 2035 الذي يهمنا ويدعونا إلى التصدي للتحديات والطموحات المتوخاة منه بهدف الارتقاء بالمغرب ليتبوأ مكانته ضمن الثلث الأول من ترتيب الدول في مختلف التصنيفات العالمية في الـ 14 عامًا القادمة، في العديد من الأنشطة. تمثل تكنولوجيا المعلومات والاتصال رافعة أساسية لتحديث القطاع العمومي فأمام محيط يعرف تحولات متواصلة و اكراهات مختلفة , تجد الإدارة نفسها بكل مكوناتها مدعوة إلى التلاؤم مع هذا السياق والى تبسيط المساطر لإنجاح مشروع التغيير الذي تحدثه الوسائل التكنولوجية في أفق إقرار إدارة الكترونية. وفي هذا الصدد فان تبسيط المساطر و الإدارة الالكترونية يشكلان مجموعة غير قابلة للتجزيء حيث تم اتخاذ عدد من المبادرات الحكومية من أجل تنفيذ برنامج متكامل لتطوير الإدارة بالمغرب، وقد ساهمت هذه المبادرات في بلورة عدد من الخدمات على الخط، نذكر منها على سبيل المثال بوابة الخدمات العمومية وبوابة الصفقات العمومية وبوابة الخدمات الضريبية على الخط والبطاقة الوطنية البيومترية وجوازات السفر البيومتري، الشباك الالكتروني لطلب الوثائق الإدارية ، حيث اضحى موضوع الرقمنة والعمل بالوسائل الالكترونية موضوعا يحضى باهتمام أعلى سلطة في البلاد، حيث تعتبر الإدارة الإلكترونية من الرهانات الأساسية للتحديث الإداري، وهذا ماعبر عنه الخطاب الملكي ل 14 أكتوبر 2016 بقوله، “كما يتعين تعميم الإدارة الإلكترونية بطريقة مندمجة، تتيح الولوج المشترك للمعلومات بين مختلف القطاعات والمرافق…”. حيث إن الوسائل الرقمية اضحت من أهم المشاريع ببلادنا وذلك من خلال مجموعة من التشريعات والقوانين وذلك من خلال القانون رقم 61.16 المحدث بموجبه وكالة التنمية الرقمية وهي مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الإعتبارية والإستقلال المالي وتخضع لوصاية الدولة.أ ما بالنسبة لمهام الوكالة، فهي محددة حسب المادة 3 من القانون رقم 61.16، في تنفيذ آستراتيجية الدولة في مجال التنمية الرقمية، وكذا تشجيع نشر الوسائل الرقمية وتطوير آستخدامها بين المواطنين.
وختاما يعد التدريب الالكتروني أحد الموضوعات المهمة في الفترة الحالية كمفهوم جديد في تكوين وتدربب الموارد البشرية العاملة داخل الادارات العمومية، وان التحول في النظام التدريبي التقليدي الحالى الى نظام التدريب الالكتروني يتطلب تخطيط وتطوير وتغيير العقليات التقليدية الجامدة والابتعاد عن الأنماط المتخلفة انسجاما وحاجيات مغرب اليوم وتساعد في النهوض بالقطاع العام ببلادنا.