التعيينات الملكية.. رسائل مشفّرة للإسلاميين، قطيعة مع تونس، وضخ دماء جديدة لمحاربة الفساد

فاجأت التعيينات الملكية الأخيرة، التي طالت عدداً من المناصب الحساسة على رأس مؤسسات دستورية بارزة، الأوساط السياسية والحزبية، وأطلقت سيلاً من التحليلات والتأويلات المتباينة، وسط تساؤلات عن الرسائل التي تحملها، في ظرف سياسي دقيق داخلياً وخارجياً.

تعيين عبد القادر اعمارة، الوزير والقيادي السابق في حزب العدالة والتنمية، رئيساً للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، شكّل الحدث الأبرز. الرجل القادم من الخلفية الإسلامية، والذي غادر حزبه بصمت وبدون ضجيج بعد خلافات مع عبد الإله بنكيران، يعود اليوم إلى الواجهة من باب مؤسسة دستورية رفيعة، في خطوة اعتبرها مراقبون بمثابة “تقدير ملكي لشخصية راشدة وغير شعبوية”، و”رسالة سياسية واضحة بأن أبواب الدولة لم تُغلق في وجه الإسلاميين”، إذا كانوا من طينة الكفاءة والانضباط المؤسساتي.

البعض ربط التعيين أيضاً بالجدل السابق حول هيمنة التيارات اليسارية على مؤسسات الحكامة، كما أشار إلى ذلك محمد أوجار، القيادي في التجمع الوطني للأحرار، منتقداً ما اعتبره “تحيّزاً إيديولوجياً” في تقارير بعض المؤسسات، وخاصة حين تزامنت مع الحصيلة الحكومية.

في الاتجاه الجيوسياسي، حمل تعيين حسن طارق، السفير السابق في تونس، على رأس مؤسسة الوسيط، دلالة حادة لا تخطئها العين. فالرجل تم استدعاؤه من سفارته في خضم أزمة دبلوماسية مع الرئيس التونسي قيس سعيد، بعد اصطفافه الصريح إلى جانب أطروحة الجزائر و”البوليساريو”.

واليوم، يقرأ كثيرون هذا التعيين كرسالة قطيعة نهائية مع نظام قيس سعيد، خاصة بعد تجاهل الملك لتهنئته في عيد استقلال بلاده، وهو سلوك غير مسبوق في الأعراف الدبلوماسية المغربية.

وبذلك يتحوّل حسن طارق من موقع المبعوث إلى الجار المقلق، إلى وسيط داخلي يُكلف بمهام حساسة تتطلب توازناً سياسياً وفكرياً، في لحظة تحتاج فيها الدولة إلى تهدئة داخلية أكثر من مجاملات خارجية.

أما في ملف محاربة الفساد، فقد جاء تعيين محمد بنعليلو، الوسيط السابق للمملكة، على رأس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، كخيار محسوب بعناية. فالرجل الذي راكم تجربة في القضاء والتدبير الإداري، وتمكن من الوساطة بنجاح في أزمات معقدة كإضراب طلبة الطب، يُنصّب اليوم على رأس مؤسسة تواجه تحديات كبرى، أبرزها استعادة ثقة الشارع وتفعيل الآليات القانونية لمحاربة الفساد الحقيقي، بعد مرحلة شابها الجدل والاتهامات لرئيس الهيئة السابق بالتهرب الضريبي واستغلال تقارير الهيئة سياسياً ضد الحكومة.

تعيين بنعليلو يُفهم في السياق ذاته كتجديد للدماء داخل المؤسسات الرقابية، وضخ عنصر الحياد المهني في مؤسسة تُعد ركيزة من ركائز الحكامة الجيدة.

إن التعيينات الملكية الأخيرة لا تكتفي بإعادة ترتيب المواقع داخل مؤسسات الدولة، بل تحمل بين طياتها إشارات قوية للداخل والخارج: لا إقصاء للإسلاميين المعتدلين، لا تسامح مع الأنظمة المعادية للوحدة الترابية، ولا مكان لمن يشكك في نزاهة المؤسسات الرقابية. المغرب يُعيد تشكيل خريطته المؤسساتية، بهدوء… ولكن أيضاً بحزم.