شهد العالم خلال العقود الأربعة الماضية تحولًا غير مسبوق في خريطة توزيع الثروة، حيث ارتفع عدد المليارديرات عالميًا من 140 اسمًا فقط في أول قائمة تنشرها مجلة “فوربس” عام 1987 إلى أكثر من 3000 ملياردير في عام 2025 بثروة إجمالية تفوق 16 تريليون دولار.
هذا التوسع يعكس تحولات اقتصادية عميقة شملت صعود قوى اقتصادية جديدة مثل الصين، إضافة إلى تأثيرات التضخم وتنامي دور قطاع التكنولوجيا.
ويبرز في هذا السياق التفاوت الكبير في حجم الثروات؛ فثروة إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم حاليًا، تقدر بحوالي 476 مليار دولار، وهو رقم يتجاوز بكثير مجموع ثروات جميع المليارديرات المدرجين في قائمة عام 1987 البالغة 295 مليار دولار.
ويظهر التحول في هوية أصحاب الثروات الكبرى؛ فبعدما كان قطب العقارات الياباني يوشياكي تسوتسومي يتصدر القائمة في ثمانينيات القرن الماضي بثروة قدرها 10 مليارات دولار، اختفت أسماء بارزة لاحقًا مثل جيوفاني أنييلي، مؤسس “فيات”، وتاجر المخدرات الكولومبي بابلو إسكوبار، والأسترالي كيري باكر، ليحل مكانهم مؤسسو شركات التكنولوجيا العملاقة.
اليوم، تسيطر أسماء مثل لاري إليسون، مؤسس “أوراكل” بثروة 361 مليار دولار، ومارك زوكربيرغ، مؤسس “ميتا” بثروة 264 مليار دولار، على المراتب الأولى، ما يعكس الدور المتزايد للتكنولوجيا في إنتاج الثروات الطائلة.
وتشير دراسات اقتصادية حديثة، منها أبحاث الاقتصادي الفرنسي غابرييل زوكمان من كلية باريس للاقتصاد وجامعة كاليفورنيا في بيركلي، إلى أن الثروة المتوسطة لأغنى 0.0001% من سكان العالم نمت بمعدل 7.1% سنويًا بين 1987 و2024، مقابل 3.2% فقط لبقية البالغين.
ويرى زوكمان أن هذا التفاوت يفرض على الحكومات إعادة النظر في نظمها الضريبية، حيث إن أغلب الإيرادات الحكومية في الدول المتقدمة تأتي من ضرائب الدخل والمبيعات والضمان الاجتماعي، في حين تبقى ثروات الأثرياء مركزة في العقارات والاستثمارات والأسهم، بعيدًا عن الضرائب المباشرة.
هذه المؤشرات تفتح الباب واسعًا أمام نقاش عالمي حول عدالة توزيع الثروة، وسبل فرض ضرائب أكثر فاعلية على كبار الأثرياء لضمان مساهمتهم العادلة في تمويل الخدمات العامة وتحقيق التنمية المستدامة.