الجسر الطويل والمكلف الذي تمر به الأدوية قبل أن تُستخدم كعلاج آمن!

هل خطر لكم من قبل كيف تختبر الأدوية قبل نزولها للصيدليات والمستشفيات؟ هل سألتم أنفسكم كم يكلف استخراج وصناعة واختبار دواء.

جدول توضيحي لمراحل البحث والدراسات الدوائية ابتداء من اكتشافه حتى الموافقة عليه

يوجد العديد من الخطوات بكثير من التفاصيل أثناء رحلة الدواء في معامل المختبرات والمستشفيات وسأذكر هذه المراحل بإيجاز؛ حتى يتسنى لنا الحديث عن كل خطوة بإسهاب. يبدأ الدواء رحلته باكتشافه من قبل علماء أو أطباء واستخلاصه من مصدره، وتسمى هذه المرحلة بمرحلة الاكتشاف والتطوير (Discovery and Development) وتستمر هذه المرحلة خمس سنوات تقريبًا، بعد أن تنتهي مرحلة الاكتشاف والاستخلاص للحصول على الدواء خام من دون أي شوائب، ننتقل للمرحلة التالية وهي مرحلة ما قبل الدراسات السريرية (Pre-Clinical Studies) فيها يتم اختبار الدواء على الخلايا المجردة والحيوانات في المختبرات وتستغرق المرحلة مدة سنة أو سنتين، وأخيرًا نصل للمرحلة الأكثر أهمية في رحلة الدواء وهي مرحلة الدراسات السريرية (Clinical Studies) والتي تستغرق عادة ثماني سنوات، حيث يتم في هذه المرحلة اختبار الدواء على البشر بمراحل مختلفة، تعتمد كل مرحلة على سبب إنشاء هذه المرحلة وعدد المتطوعين الذين يجب أن يشاركوا بهذه المرحلة، وعندما يمر الدواء بنجاح في كل هذه المراحل، تقر منظمة الغذاء والدواء (FDA) بأن الدواء آمن وجاهز ليتم استخدامه في علاج المرض المراد، حيث يستغرق اكتشاف واختبار دواء ليكون بالإمكان العلاج به بشكل قانوني خمس عشرة سنة ومليارات الدولارات وآلاف المتطوعين والمشاركين والأطباء والمراكز والمستشفيات والتقارير والدراسات المستمرة، فالأمر أكثر تعقيدًا مما تتوقعون.

 

مرحلة الاكتشاف والتطوير (Discover and Development): وتستغرق هذه المرحلة خمس سنوات تقريبًا

 الاكتشاف، كيف يتم اكتشاف الأدوية؟

يوجد عدة طرق وأساليب لاكتشاف التأثيرات العلاجية للمركبات الكيميائية، وسأذكر خمسة منها:

 

 الطريقة الأولى: علم الأدوية الكلاسيكي (Classical Pharmacology): تكتشف الأدوية بهذه الطريقة عن طريق استخلاص مركب كيميائي واحد من نبات معين ثم البدء في البحث عن دوره العلاجي والتأثيرات التي يحدثها في الجسم، من خلال القيام بعدة دراسات على الحيوانات والخلايا المجردة والبشر أيضًا، وبعد أن يثبت أن المركب له تاثير علاجي ظاهر وحقيقي، يبدأ الباحثون في دراسة طريقة عمل الدواء عن طريق اكتشاف المستقبل البروتيني الذي يرتبط فيه الدواء ليبدأ تأثيره العلاجي، وهكذا يكون بإمكانهم فهم كيفية عمل الدواء في محاربة هذا المرض. [1]

الطريقة الثانية: تسمى علم الأدوية العكسي (Reverse Pharmacology): وهي عكس طريقة علم الأدوية الكلاسيكي تمامًا، حيث أولًا يتم طرح المرض المراد علاجه والبحث عن المستقبل البروتيني المساهم في هذا المرض والذي يجب أن يرتبط فيه الدواء (من خلال عدة دراسات أقيمت مسبقًا أثبتت أن هذا المستقبل البروتيني يساهم في المرض)، ومن خلال هذه المعلومات يتم البحث عن هذا المركب من ضمن آلاف المركبات التي تم استخراجها واستخلاصها مسبقًا عن طريق غربلة عالية الدقة لكثير من المركبات (High Throughput Screening) وتتم هذه العملية عن طريق صناعة نسخ كثيرة من البروتين المراد استهدافه ووضعه في طبق خاص لزراعة البروتين ثم يوضع في سائل البروتين أنواعًا مختلفة من المركبات المراد اختبارها فبتدأ هذه المركبات بالارتباط بهذا البروتين، سترتبط العديد من المركبات بهذا البروتين ولكن بنسب مختلفة وقوة مختلفة وبدقة مختلفة، يتم تحديد المركب الأفضل بينها، عن طريق قدرة المركب على الارتباط بقوة بهذا البروتين ولوقت طويل وأيضًا عدم ارتباطه ببروتينات أخرى؛ لأن ارتباطه ببروتينات أخرى سيسبب أعراضًا جانبية ثقيلة للدواء وهذا سيزيد من احتمالية فشل الدواء في تخطي الدراسات السريرية وبالتالي عدم الموافقة عليه وخسارة الكثير من المال والوقت، وهي تعتبر الطريقة الحديثة في اكتشاف الأدوية. [1]

ولكن أثببت الدراسات والأرقام الإحصائية أن معظم الأدوية المتواجدة حاليًا في الصيدليات والمستشفيات اكتشفت عن طريق علم الأدوية الكلاسيكي مثل دواء الديجوكسين (Digoxin) المستخدم في علاج مرض الفشل القلبي ودواء المورفين (Morphine) الذي يستخدم كمخدر ومسكن قوي، لذلك الطريقة الأولى هي الأشهر حتى الآن.

الأدوية

توضح الصورة الفرق بين علم الأدوية الكلاسيكي وعلم الأدوية العكسي

الطريقة الثالثة: أحيانًا يتم اكتشاف تأثير علاجي جديد لدواء كان يستخدم لعلاج مرض آخر، من خلال مراقبة هذا الدواء بعد سنوات طويلة من استخدامه كعلاج، مثل: دواء (Amitriptyline) الذي يستخدم في علاج الاكتئاب ولكن وجد أيضًا أنه يستطيع تخفيف آلام صداع الشقيقة بطريقة فعالة. ودواء الأسبرين (Aspirin) واسمه العلمي: (Acetylsalicylic Acid)؛ الذي كان يستخدم سابقًا كمسكن آلام ومضاد التهاب ولكن وجد لاحقًا أن له دورًا مهمًا في منع التجلطات القلبية والسكتة القلبية. وأيضًا دواء مينوكسيديل (Minoxidil) الذي كان يستخدم سابقًا لعلاج ضغط الدم المرتفع، ولكن وجد لاحقًا أنه يعالج الصلع ويحفز نمو شعر الرأس فأصبح يستخدم لعلاج الصلع.[1]

الطريقة الرابعة: اختراع بعض التقنيات الجديدة المستخدمة في العلاج، مثل: طريقة العلاج الاختصاصي (Targeted Therapy) تستخدم هذه الطريقة في علاج مرض السرطان بأقل الأعراض الجانبية الممكنة وليتم استخدامه عوضًا عن العلاج الكيميائي الذي يهدد موت المريض قبل موت المرض نفسه؛ حيث يتم إدخال الدواء الكيمياوي نفسه في كبسولات دهنية يوجد على سطحها مستقبلات بروتينية ترتبط بسطح الخلية السرطانية فقط وتؤثر في خلية السرطان فقط وتقتلها من دون التأثير على خلايا الجسم الأخرى وقتلها.

الطريقة الخامسة: طريقة صناعة مركب الدواء كله في المختبر، وهذا يتم عن طريق الحصول على مركبات كيميائية مشهورة ومتوفرة في الجسم مثل بروتينات الجسم المتواجدة داخل الحمض النووي (DNA) البيورين (Purine) حيث يقومون بالتعديل عليه بإضافة وإزالة ذرات مختلفة ليصبح مناسبًا ليرتبط بالبروتينات المساهمة في المرض، ومن الأدوية التي صنعت بهذه الطريقة؛ أدوية مثبطات بروتين بيتا (Beta Blockers) يستخدم هذا الدواء في علاج ضعف عضلة القلب وضغط الدم المرتفع وأيضًا دواء السميتيدين (Cimetidine) وعائلته, يستخدم في علاج حموضة وقرحة المعدة، وأدوية محفزات بروتين بيتا 2 (Beta2 Agonist) الذي يستخدم كموسع للقصبات الهوائية لعلاج مرض الربو (Asthma) والانسداد الرئوي المزمن (COPD). ولاقت هذه الطريقة نجاحًا باهرًا وكبيرًا وهي السبب في التعدد الكبير لبعض الأدوية التي لديها طريقة علاج واحدة مثل أدوية علاج الكوليسترول الستاتين (Statins) وأدوية علاج صداع الشقيقة (Triptans) إضافة للأدوية المذكورة سابقًا. [1]

وفي مرحلة التطوير (Development) يتم التعديل على تركيب المركب الكيميائي حسب النتائج المستخرجة من الأبحاث التي ستذكر لاحقًا في مرحلة ما قبل الدراسات السريرية,  ليناسب المركب الشكل الدوائي الحقيقي ويقوم بعمله كدواء آمن من خلال علم يسمى: (SA- Structural Activity Relationship) وهذا يعني تناسب شكل الدواء مع وظيفته.

يوضح المخطط الآتي مراحل اكتشاف الدواء وتطويره المستمر ليناسب معايير الآمان والفعالية للأدوية. [1]

 

مرحلة ما قبل الدراسات السريرية (Pre-Clinical Studies):

وتستغرق سنتين تقريبًا

تهتم هذه المرحلة بشكل خاص باختبار الدواء على الخلايا المجردة (In Vitro) أو الحيوانات (In Vivo) بهدف دراسة خصائص الدواء المختلفة مثل خصائصه الكيميائية من ناحية تأثيره على الجسم ويسمى هذا العلم الديناميكية الدوائية (Pharmacodynamics) وأيضًا لتحديد تأثير الجسم على الدواء ويسمى علم التحريك الدوائي (Pharmacokinetics)، حيث يدرس هذا العلم تأثير الجسم على الدواء من ناحية الامتصاص (Absorption) أي امتصاص الجسم للدواء، مثل: امتصاص المعدة والأمعاء للدواء الذي يؤخذ بالفم أو دراسة امتصاص الأوعية الدموية والأنسجة للدواء المعطى؛ كحقن، ومن ثم دراسة توزيعه على أعضاء وخلايا الجسم المختلفة (Distribution) بشكل يناسب النتيجة العلاجية المتوقعة للدواء ثم عملياته الأيضية (Metabolism) في الكبد والكليتين. وتهدف العملية الأيضية لتفكيك الدواء والتخلص منه، وأخيرًا الكيفية التي يتم من خلالها التخلص من الدواء خارج الجسم (Excretion) أي عن طريق الجهاز البولي أو العرق أو الجهاز الهضمي [2] ودراسة أعراضه الجانبية (Toxicology).

ويقوم الباحثون أيضًا بدراسة النتيجة العلاجية المتوقعة منه وكيفية عمله في الجسم (Mechanism Of Action) والجرعة الأمثل والأكثر أمانًا، والطريقة الأفضل لإعطاء الدواء؛ أي هل يجب إعطاءه عن طريق الفم أم الحقن؟ ويتم أيضًا اختبار طرق جديدة لإعطاء الدواء، مثل: التحاميل أو الحقن العضلية أو حقن تحت الجلد ودراسة فعاليتها في علاج المرض. إضافة للأعراض الجانبية وكيف يتغير تأثيره عند إعطاءه لأشخاص مختلفين من ناحية الجنس والعمر والحالة الصحية والعرق. أيضًا دراسة تفاعله مع الأدوية الأخرى والحالات الصحية المختلفة، وهل هو فعال ويتفوق على الدواء القديم الذي يعالج المرض المراد علاجه.[2]

حديثًا أصبح بالإمكان دراسة الخصائص الدوائية من خلال الحاسوب عن طريق برامج حاسوبية تقوم بمشابهة عمل أجهزة أجسام الحيوانات والخلايا المجردة ويسمى (In SilicoAssays).

 مرحلة الدراسات السريرية (Clinical Studies):

مقر منظمة الغذاء والدواء في أمريكا FDA

الآن بدأت المرحلة الأطول والأكثر أهمية في كل هذه العملية وهي مرحلة الدراسات السريرية التي يتم فيها اختبار الدواء على البشر في مراحل فرعية مختلفة، وعادة تحتوي هذه المرحلة على أربعة مراحل فرعية سنشرح كل واحدة منها ونذكر هدفها والمدة التي تستغرقها بالتفصيل.

تحتوي هذه المرحلة على بروتوكولات خاصة لكل مرحلة فرعية تحدد المعايير التي يجب أن يتوافق معها المشاركون في هذه الدراسة، مثلًا: أن يكونوا بحالة صحية جيدة أو حالة صحية معينة أو أن يكون المشارك ذكرًا أو أنثى أو أن يكون من عرق معين أو عمر معين وهذا كله يتحدد من خلال نوع الدواء المراد اختباره. والمرحلة الفرعية التي يمر بها الدواء حاليًا.. وتذكر البروتوكولات أيضًا هدف كل مرحلة فرعية إضافةً للأوقات التي يجب إعطاء الدواء فيها وجرعته ولمن من المشاركين، ويذكر أيضًا عدد المشاركين في كل مرحلة فرعية والمدة الزمنية المتوقعة التي تستغرقها كل مرحلة.[5]

تنقسم الدراسات السريرية لأنواع عديدة، وكل نوع يعتمد على هدف الدراسة:

  • دراسات الوقاية: هذا النوع من الدراسات يختبر دواءًا جديدًا أو فيتامينات جديدة، أو أسلوب حياة جديد لمنع الإصابة بمرض معين أو للوقاية من الإصابة مجددًا بمرض معين، مثل السرطان.
  • دراسات الفحص المتقدم: تستخدم هذه الدراسات في فحص وجود مرض معين في الأشخاص بشكل مبكر جدًا قبل حتى ظهور الأعراض، حيث التشخيص المبكر للمرض يقلل من شدة أعراض المرض ودرجة فتكه.
  • دراسات التشخيص: تدرس هذه الدراسات طرق جديدة ومبتكرة في تشخيص أمراض معينة بحيث تكون فعالة وأكثر دقة من الطرق القديمة.
  • الدراسات العلاجية: يعتبر هذا النوع الأكثر شهرة واستخدامًا من بين كل أنواع الدراسات الأخرى حيث يتم اختبار دواء جديد واعد في علاج بعض الأمراض.
  • الدراسات الجينية: يقوم هذا النوع بدراسة علاقة جينات معينة في جسم الإنسان بأمراض معينة وإمكانية استغلال هذه العلاقة في علاج المرض أو منعه والحد منه.
  • دراسات تحسين أسلوب حياة المرضى: تقوم هذه الدراسات بدراسة واختبار أساليب حياتية جديدة للمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة كالقلب والسكري والضغط أو بعض الإعاقات؛ بهدف تخفيف أعراض المرض وإبطاء تقدمه وتوفير حياة أسهل لهؤلاء المرضى.
  • الدراسات الوبائية: تستخدم لدراسة مدى تفشي مرض معين بين مجموعة من الأشخاص وعلى ماذا يعتمد انتشاره، مثلًا: هل يوثر الجنس، العمر، الحالة الاقتصادية، الحالة الصحية، والمتغيرات المختلفة الأخرى؟[5]

 

المراحل الفرعية لمرحلة الدراسات السريرية (Clinical Studies):

عادة تستغرق هذه المرحلة ثماني سنوات من المرحلة الفرعية الأولى حتى الثالثة ومرحلة الموافقة على الدواء من قبل منظمة الغذاء والدواء (FDA) وتستمر للأبد من المرحلة الفرعية الرابعة.

توضح الصورة تفاصيل المراحل الفرعية المختلفة للدراسات السريرية

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *