في الوقت الذي كانت وزارة التربية الوطنية تُجند عدسات الكاميرات لاصطحاب الصحفيين في زيارات ميدانية إلى “مدارس الريادة” لتفنيد انتقادات المجلس الأعلى للتربية والتكوين، جاء بلاغ الديوان الملكي، يوم الجمعة، ليرسم المشهد من جديد: الحبيب المالكي يغادر رئاسة المجلس، وتعويضه برحمة بورقية، أحد أكثر الأسماء جرأة في انتقاد أعطاب إصلاح التعليم بالمغرب.
رحيل المالكي، الذي بلغ من العمر 86 سنة ويعاني من وضع صحي حرج، كان متوقعًا، لكن توقيته وتزامنه مع الجدل الدائر حول مدارس الريادة، يجعل من الصعب إبعاد شبهة “تصفية الأصوات المزعجة” في مواجهة سياسات الحكومة.
تقرير المجلس الذي ترأسه المالكي لم يرحم التجربة التي تسوقها الحكومة باعتبارها نموذجًا لإصلاح المدرسة العمومية، بل اعتبر أنها تُكرس الفوارق داخل القطاع العمومي نفسه، وهو ما فُهم من قبل كثيرين كـ”صفعة” سياسية في وقت حرج.
بدلاً من تعيين وجه تكنوقراطي أو شخصية حزبية توافقية، اختار الملك أن يُعيد إلى الواجهة رحمة بورقية، المعروفة بصرامتها العلمية ووضوح مواقفها النقدية. فالسيدة التي شغلت سابقاً رئاسة الهيئة الوطنية للتقييم، وراكمت تجربة علمية كعالمة اجتماع وأكاديمية، لم تُخف يوماً قناعتها بأن ما سُمي بـ”الإصلاح” في التعليم المغربي لم يُطبق فعلياً، لا في الميثاق الوطني ولا في البرنامج الاستعجالي. ومع ذلك، فهي ليست بعيدة عن الدولة، فقد كافأها النظام بوسام ملكي، وكانت أول امرأة تتولى رئاسة جامعة في تاريخ المغرب.
تعيين بورقية، رغم أنه يبدو في ظاهره تجديد دماء مؤسسة دستورية عليا، يُقرأ في العمق كجزء من إعادة ضبط إيقاع الأصوات داخل المؤسسات التي باتت تنتقد علنًا السياسات العمومية.
وما يُغذي هذا الطرح هو تسلسل الإعفاءات التي طالت شخصيات بارزة، كان صوتها خارج سرب الأغلبية الحكومية: أحمد الحليمي من المندوبية السامية للتخطيط، محمد رضا الشامي من المجلس الاقتصادي والاجتماعي، البشير الراشدي من الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد… وكلهم عُوِّضوا بأسماء محسوبة على “دوائر القرب السياسي” من رئيس الحكومة عزيز أخنوش.
فهل هي صدفة أن يُبعد المالكي بعد أيام فقط من نشر تقريره الجريء؟ أم أن الدولة تمسك العصا من المنتصف: تجدد الوجوه، لكنها تبقي على قبضة ناعمة تُعيد توجيه البوصلة متى انحرفت عن خط التوازن؟
رحمة بورقية تعود اليوم إلى قلب المشهد، وبيدها فرصة ذهبية، إما لتأكيد استقلالية المجلس الأعلى للتربية والتكوين، أو لترويضه بما يتماشى مع الرؤية الرسمية. لكن المؤكد أن المدرسة العمومية لم تعد فقط ميدانًا للإصلاح… بل باتت أيضًا ساحةً للصراع السياسي الهادئ.