الحقد السياسي!!!

علي الغنبوري

« لا يستطيع إنسان أن يبني فوق الحقد، إنه كمن يبني فوق المستنقع » هذه المقولة الخالدة و المعبرة للروائي الروماني المرموق ليفيو ربرينو، تلخص بشكل كبير و دقيق واقع ما يجري في جسمنا السياسي اليوم .

فاذا كانت ممارسة السياسة ، تنطلق من المبادئ و القناعات المرجعية غير القابلة للتغير و المساومة ، و غير الخاضعة للحسابات التكتيكية و المناورات ،فان كثيرا من الافعال و الممارسات السياسية اليوم لمجموعة من الفاعلين السياسيين ، تحيد بشكل مطلق عن هذه القاعدة ،و تسلك نهجا و منطلقا مخالفا لها .

و اذا كان لا بد من الاشارة الى هؤلاء الفاعلين ، فالاكيد ان هذا الامر سيتوجه بشكل محدد الى مجموعة من الفاعلين اليساريين ، الذين باتو اليوم مقتنعين تمام الاقتناع ، ان الحقد هو المؤطر الرئيسي للعملية السياسية، و هو الدافع المحفز لكل الافعال و الممارسات داخلها ، و هو كذلك المبرر المقنع لكل التجاوزات التي تخضع لها المبادئ و القناعات .

في نقاش سابق مع احد مناضلي و قيادات اليسار ، حول الاسباب و الضرورة المبررة للدعوة الى التحالف مع الاسلاميين و اخص بالذكر العدل و الاحسان ، كان جوابه واضحا و غير حمال لاي التباس او ضبابية ،  » انهم اعداء للدولة  » .

فهو يعني ما يقصده ، و يلخص هذه الدعوة الى التحالف معهم ، بناء على مبرر وحيد هو مخالفتهم للدولة ، فهو مؤمن بان عدو عدوه صديق له ، و ان هذه العداوة للدولة ، تمحو كل القناعات و المبادئ المتزمتة و الرجعية التي يؤمنون بها ، و تلغي اي عائق فكري او ايديولوجي يمنع وضع اليد في اليد معهم .

قطاع واسع من اليسار ، في قضية بوعشرين مثلا ، و بدل ان يصطف بشكل اولي الى جانب النساء ضحايا الاستغلال الجنسي، حتى يتبين الخيط الابيض من الاسود، انتصارا للمبادئ و القناعات التي ينادي بها ، فضل من الوهلة الاولى الاصطفاف الى جانب بوعشرين ، بل سعى الى تسفيه الضحايا و التشكيك بهن و الطعن في شرفهن ، لا لشيء سوى ان بوعشرين مخالف للدولة و يخوض صراعا ضدها .

لا يهم عند هؤلاء ، ارتباطات بوعشرين الخارجية ، و لا الاجندات الهدامة التي كان يسعى الى تنفيذها ، و لا تهم القيم و المبادئ ، المهم ان بوعشرين عدو للدولة ، و بالتالي الاصطفاف الى جانبه يصبح قناعة و مبدئ يجب المضي فيه الى اخر رمق .

هذا الحقد ، الذي بدأ يعوض القناعات و المبادئ في خوض غمار السياسة ببلادنا لا يتلخص فقط في هاتين الواقعتين ، بل يتعدى ذلك بكثير الى درجة انه اصبح السمة البارزة و الطاغية ، على كل مناحي الفعل السياسي لهؤلاء .

المبادئ و القيم ، هي غير قابلة للتغير و التحول ، و غير خاضعة للتكتيك و المناورة ، و لا تقبل التنازل عنها خلال خوض الصراع السياسي ، فهي متجدرة و ثابتة ، لا تغيرها لا ظرفية و لا موقع .

ما يميز اليسار عن باقي تشكيلات الطيف السياسي ، هو ايمانه المطلق و المتجرد بقيمه و مبادئه ، الداعية الى الحياة و التحرر ، و بمرجعيته المتنورة ، القائمة على مبادئ الديمقراطية ، و حقوق الانسان بتصورها الكوني ، و اي تنازل او تراجع عن هذه القيم و المبادئ ، تحت اي ظرف او مبرر ، لن يساهم الى في مسخ هذا اليسار ، وفقده لهويته و لعناصر قوته و توهجه، و لن تنتج عنه الا مزيدا من العزلة و الاغتراب داخل المجتمع ، و هو ما سيمهد الطريق بلا شك الى بروز و اشعاع القوى الرجعية المتزمتة ، المتربصة بالجميع .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *