البشير الحداد: الحكومة ومواجهة جائحة كورونا

البشير الحداد الكبير

سنبدأ هذا المقال بمقتطف من الخطاب الملكي السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة عيد العرش لسنة 2017،إذ قال جلالته: »… فالتطور السياسي والتنموي، الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب، على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين، مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة.
فعندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للإستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة.
أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الإختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه… « .
إن المتتبع للأحداث الأخيرة والقرارات المتخذة من طرف الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية يجد نوعا من الإرتجالية والسرعة وعدم الدقة، في ظل أزمة كورونا وجدنا أن المؤسسات التي اشتغلت بحكمة وتبصر محسوبة على رؤوس الأصابع، أولها المؤسسة الملكية وبعض الوزراء الذين هم في الأصل تكنوقراط رغم صبغتهم السياسية بالإضافة إلى لجنة اليقظة الإقتصادية،أما الحكومة السياسية فقد أبانت عن ضعفها.
من خلال هذا المقال سنحاول توضيح الأمور، فالعديد من المتتبعين لاحظوا إرتجالية الحكومة السياسية بقيادة حزب العدالة والتنمية وهناك من انتقدها وهناك من يروج لأكاذيب وإشاعات نظرا لإنتماءه السياسي أو معادي للوطن، ومفاد هذه الإشاعات أن الحكومة ليست هي من تحكم بل وزارة الداخلية والقصر الملكي، نقول كل من يروج لمثل هذه الإشاعات فهو حاقد وجاهل في نفس الوقت، ويحاول ما أمكن الدفاع عن فشل النخب السياسية.
الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 (1) واضح وضوح الشمس، فقد حدد إختصاصات المؤسسة الملكية واختصاصات السلطة التنفيذية، فالمؤسسة الملكية اشتغلت في زمن كورونا في إطار احترام تام للدستور والإختصاصات المخول لها، بل أكثر من ذلك أن جلالة الملك أعزه الله فضل الإشتغال في الزمن الدستوري العادي في ظل أزمة كورونا وليس الزمن الدستوري الإستثنائي، فمنذ ظهور وباء كورونا بالمغرب، لم تلجأ المؤسسة الملكية للوسائل الدستورية التي تخول لها إعلان حالة الإستثناء بموجب الفصل 59 من دستور 2011 وتوجيه خطاب للأمة، هنا تظهر الحكمة في تدبير الأزمات، كما أنها لم توجه خطابا للأمة فيه التخويف والفزع كما فعل العديد من رؤساء دول العالم، بل فضلت الإشتغال بشكل عادي لبعث الإطمئنان في نفوس المواطنات والمواطنين، بل أكثر من ذلك نجد أن المؤسسة الملكية اكتفت فقط بدور التنسيق وتحريك المؤسسات للإشتغال حسب مقتضيات الفصل 42 من الدستور بصفتها ضامن دوام الدولة و الساهر على حسن سير المؤسسات الدستورية،وبالتالي كان اشتغالها في نطاق احترام الدستور، إذن فالحكومة هي المسؤولة عن القرارات المتخذة مؤخرا والتي بعثت القلق والتوتر في نفوس المواطنات والمواطنين.
إن الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية هي المسؤولة عن جل القرارات المتخذة وأثبتت أنها لا تتمتع بالكفاءة في تدبير الأزمات، بقراءة للباب الخامس من الدستور الجديد المعنون بالسلطة التنفيذية نجد أن الحكومة ومؤسسة رئيس الحكومة يتمتعان بصلاحيات دستورية واسعة، فحسب الفصل 89 من الدستور نجد أن الحكومة تمارس السلطة التنفيذية، وأنها خاضعة لسلطة رئيسها، وطبقا للفصل 90 نجد أن رئيس الحكومة يمارس السلطة التنظيمية،وحسب الفصل 92 نجد أن رئيس الحكومة هو من يرأس المجلس الحكومي، وجدير بالذكر أن المجلس الحكومي يتداول في السياسات العمومية والقطاعية حسب منطوق الفصل السالف الذكر، وبموجب الفصل 93 نجد أن الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية في إطار التضامن الحكومي وأنهم ينفذون المهام المسنودة إليهم من قبل رئيس الحكومة ويطلعون مجلس الحكومة على ذلك، إذن لا داعي لإستغباء المواطنات والمواطنين فالحكومة السياسية بقيادة حزب العدالة والتنمية هي المسؤولة عن جميع القرارات المتخذة ولاداعي لترويج تلك الأسطوانة الكاذبة أن وزارة الداخلية والقصر الملكي هم من يتحكموا في الحكومة وأن رئيس الحكومة مجرد لعبة هذه الأسطوانة يرددها الحاقدون والجاهلون للدستور والقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، دون أن ننسى أن الحكومة لها إختصاصات حددها القانون التنظيمي 065.13(2)المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها ،وكما قال جلالة الملك حفظه الله في خطاب العرش لسنة 2017: »…وعلى كل مسؤول أن يمارس صلاحياته دون انتظار الإذن من أحد. وعوض أن يبرر عجزه بترديد أسطوانة « يمنعونني من القيام بعملي »، فالأجدر به أن يقدم استقالته، التي لا يمنعه منها أحد.
فالمغرب يجب أن يبقى فوق الجميع، فوق الأحزاب، وفوق الانتخابات، وفوق المناصب الإدارية… ».
إن دستور 2011 والقانون التنظيمي 065.13 جاؤوا بإختصاصات واسعة لمؤسسة رئيس الحكومة والحكومة، لكن مع الأسف أننا لا نملك رئيس حكومة بحجم الوطن،رئيس حكومة في لقاءات صحفية لا يعطي معلومات دقيقة ويصرح أنه لا يملك خطط مستقبلية لمواجهة جائحة كورونا بل فقط سيناريوهات، رئيس حكومة عوض أن يبعث الإطمئنان في نفوس المواطنات والمواطنين، فهو يخلق التوتر والقلق.
إن المغرب في ظل جائحة كورونا وجد المؤسسة الملكية والتكنوقراط ولجنة اليقظة الإقتصادية والمؤسسات الأمنية اشتغلوا بحكامة وحكمة وتبصر ودقة، ولعل خير مثال على ذلك أن المؤسسة الملكية في بدايات أزمة كورونا بادرت لخلق صندوق لتدبير جائحة كورونا تفعيلا للفصل 70 من دستور 2011 والمادة 26 من القانون التنظيمي 130.13 المتعلق بالمالية العمومية(3)،أما الحكومة السياسية كانت تفكر في فرض الضريبة التضامنية تفعيلا للفصل 40 من الدستور، ولاحظنا أن المبادرة الملكية السامية بإحداث هذا الصندوق حظيت بإعجاب مختلف الفاعلين ولاحظنا حجم المساهمة فاق التوقعات، بفضل عبقرية المؤسسة الملكية.
إن تدبير الأزمات يحتاج للكفاءات السياسية التي تدرس القرار مائة مرة قبل إتخاذه وتدرس جوانبه الإدارية والإقتصادية والإجتماعية والنفسية لكن مع الأسف مع حكومة العدالة والتنمية القرارات اتسمت بالإرتجالية والعشوائية،ولتوضيح الأمور أكثر فالقرارات المتخذة من طرف وزارة الداخلية ووزارة الصحة هي قرارات في الأصل من حزب العدالة والتنمية لأنه هو من يقود الحكومة وبالتالي فهو الذي يأمر بإصدار تلك القرارات، هذا التوضيح مهم لأن حزب العدالة والتنمية يحاول استغباء المواطنات والمواطنين،لكن المطلع على الفصل 93 من الدستور يجد أن الحزب الذي تصدر الإنتخابات هو المسؤول عن السياسات الحكومية وجل السياسات العمومية المتخذة.
إن تدبير الأزمات يحتاج لنخب وطنية لكن الأحزاب السياسية لم تنتج لنا نخبا وطنية،فزمن النخب الوطنية قد انتهى(علال الفاسي، عبد الرحيم بوعبيد،عبد الله إبراهيم، عبد الرحمان اليوسفي… إلخ) أما الآن فنحن أمام نخب أقل من عادية.
إن الحكومة السياسية في زمن كورونا عوض أن تبحث عن الحلول الناجعة لتجنيب المغرب الآثار السلبية لهذا الفيروس،قامت بتبني مشروع قانون 22.20 وتبرأت منه في نفس الوقت مع العلم أن الدستور بموجب الفصل 93 والقانون التنظيمي 065.13 واضحان وضوح الشمس فحزب العدالة والتنمية هو المسؤول بالدرجة الأولى عن هذا المشروع بالإضافة إلى الأحزاب السياسية التي صادقت عليه في مجلس الحكومة، وحينما أثار هذا المشروع قانون غضب المواطنات والمواطنين قامت الأحزاب المشكلة للحكومة السياسية بقيادة حزب العدالة والتنمية بالتبرؤ منه، إذن من قام بصياغته أليس حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة؟ لدرجة أن هذا المشروع قانون طرح مشكل عدم ثقة المواطنات والمواطنين في النخب السياسية رغم المحاولات الأخيرة من خلال تقديم الأحزاب السياسية لمقترحات من شأنها تعزيز المشاركة السياسية للمواطنات والمواطنين في الإنتخابات إلا أن مشكل الثقة لازال مطروحا،ومسألة الثقة جعلت أعلى سلطة في البلاد لا يثق أيضا في النخب السياسية إذ قال جلالته حفظه الله ورعاه في خطاب العرش لسنة 2017: »…وإذا أصبح ملك المغرب غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة ولا يثق في عدد من السياسيين فماذا بقي للشعب؟… ».
خلاصة:
ينبغي على الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية أن تتصرف بحكمة لمواجهة جائحة كورونا أو تتحلى بالشجاعة وتقدم إستقالتها تفعيلا للخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش لسنة 2017، إذ قال جلالته نصره الله وأيده: »… لكل هؤلاء أقول : » كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة ، وإما أن تنسحبوا.
فالمغرب له نساؤه ورجاله الصادقون… « .
إن السياسة هي التوقع، كان على حزب العدالة والتنمية حينما ترشح للإنتخابات أن يتبنى برنامج سياسي مبني على التخطيط الإستراتيجي والتوقعات بعيدة المدى، أن يتضمن برنامجه السياسي كيفية تدبير الأزمات، وليس بعد حدوث الأزمات نبحث عن الحلول، فالسياسة فن لا يتقنها سوى المتميزون.
وقبل الختم سنستحضر مقتطفا من الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح البرلمان لسنة 2017،إذ قال جلالته حفظه الله : »… إن الاختلالات التي يعاني منها تدبير الشأن العام ليست قدرا محتوما. كما أن تجاوزها ليس أمرا مستحيلا، إذا ما توفرت الإرادة الصادقة وحسن استثمار الوسائل المتاحة.
وهذا الأمر من اختصاصكم، برلمانا وحكومة ومنتخبين. فأنتم مسؤولون أمام الله، وأمام الشعب وأمام الملك عن الوضع الذي تعرفه البلاد.
وأنتم مطالبون بالانخراط في الجهود الوطنية، بكل صدق ومسؤولية، لتغيير هذا الوضع، بعيدا عن أي اعتبارات سياسوية أو حزبية. فالوطن للجميع، ومن حق كل المغاربة أن يستفيدوا من التقدم، ومن ثمار النمو.
فكونوا، رعاكم الله، في مستوى المسؤولية الوطنية الجسيمة، الملقاة على عاتقكم، لما فيه صالح الوطن والمواطنين…  »
الهوامش:
1-ظهير شريف 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011 بتاريخ 29 يوليوز 2011 ،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر،بتاريخ 30 يوليوز 2011الصفحة: 3600.
2-ظهير شريف 1.15.33 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، بتاريخ 19 مارس 2015،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6348 بتاريخ 2 أبريل 2015،الصفحة: 3515.
3-ظهير شريف 1.15.62 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 130.13 المتعلق بالمالية،بتاريخ 2 يونيو 2015،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6370،بتاريخ 18 يونيو 2015،الصفحة: 5810.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *