الدين و المال اساس الهيمنة السياسية!!!

علي الغنبوري

من اهم شروط البناء الديمقراطي السليم ، هو الرغبة و الارادة الحقيقية في فرض شروط المنافسة السياسية المتكافئة ، التي يكون من خلالها كل الفرقاء و الشركاء السياسيين قادرين على خوض غمار التنافس الديمقراطي بناء على عروض سياسية محضة تقدم للشعب قصد الاختيار .

فخروج المنافسة الديمقراطية عن اطارها السياسي المتجرد ، و تطبيعها مع مكونات و عناصر لا سياسية ، تحمل في طياتها نزوعات للتأثير في اختيارات و توجهات الشعب ، تفسد العملية السياسة برمتها ،و تجعل من المستحيل التقدم في مسار البناء الديمقراطي .

اقحام الدين و المال في الممارسة السياسية ، هما اخطر و ابرز ما يتهدد المنافسة السياسية و البناء الديمقراطي بشكل عام ، لما لهما من قدرة على تغير المعطيات و التوجهات على الارض، و لما لهما كذلك من قدرة على الغاء التنافس السياسي المبني على الافكار و البرامج و الرؤى السياسية الواضحة .

و للاسف ما نعيشه اليوم في المغرب هو تكريس لهذه التوجهات الملتبسة ، التي تريد ان تجعل من الدين و المال ، المحدد الرئيسي و الابرز للممارسة السياسية ، و التي تلغي اي تنافس ديمقراطي متكافئ بين كل الفرقاء السياسيين بالبلاد .

صحيح ان البلاد اليوم محتاجة الى فرز سياسي حقيقي ، تتضح معه معالم الخريطة السياسية ، بما يتوافق و تشكيل اقطاب سياسية متجانسة و متقاربة فكريا و سياسيا، تكون قادرة على ضمان الفعالية و النجاعة ، و تحد من تشردم الواقع السياسي المغربي ، لكن هذا الفرز لا يمكنه باي حال من الاحوال ان يتشكل في ضل اصرار البعض على اقحام الدين و المال في المجال السياسي .

فهذا الاقحام العمدي لمعطيات و اليات غريبة عن المجال السياسي ، يدفع الى الانهاء مع اي توجه نحو تكريس التعدد السياسي ، و الى خلق خريطة سياسية مصطنعة لا تعبر عن الواقع المجتمعي، و لا تسمح ببناء ديمقراطية حقيقية تستجيب لامال و تطلعات الشعب المغربي .

و الدعوات اليوم الى الرفع من العتبة الانتخابية ،الصادرة عن بعض مكونات الحقل السياسي المغربي ، و ان كانت تبدو منطقية في ظاهرها ، الا ان عمقها يحمل كثيرا من الالتباس المقرون برغبة اكيدة في الاقصاء و السيطرة و الهيمنة على المجال السياسي ، انطلاقا من محددات غير سياسية تعتمد على المال و الدين لكسب معركة التنافس الانتخابي .

فرفع العتبة الانتخابية يكون ممكنا في ضل توفر شروط تنافس انتخابي نزيه وشفاف، تكون السياسة اساسه الوحيد و الاوحد ، و تخوضه احزاب تعمل على تأطير و تكوين و استقطاب المواطنين الى دائرة الممارسة السياسية الشرعية بشكل متواصل و مستمر ، لكن هذا الامر يفقد مصداقيته و ضرورته، في وجود احزاب تفتقد للرؤى و القناعات السياسية الواضحة و المقنعة ، و التي يكون اخر همها هو التأطير و التكوين و الدفاع عن القضايا الوطنية العادلة ، و التي تعتمد على الدين و المال لحسم اي تنافس انتخابي و سياسي.

ان الدعوات اليوم بالرفع من العتبة الانتخابية ، تحت دريعة عقلنة المشهد السياسي المغربي ، هي في الحقيقية دعوات انانية و بدون اي مصداقية سياسية ، لا تهدف الا الى تمييع المشهد السياسي المغربي ، و تجريده من قواه الوطنية الجادة ، و قتل الممارسة السياسية السليمة ، و فرض سلطة المال و الدين كمحدد اساسي للعمل السياسي داخل البلاد.

ما يحتاجه المغرب اليوم لاستكمال مساره الديمقراطي ، هو تغيير جذري للنظام الانتخابي الحالي ، بما يسمح بتنافس سياسي متكافئ ، مبني على عروض سياسية واضحة ، تسهم بشكل جدي و حقيقي في بلورة التوجهات المجتمعية ، بعيدا عن التأثيرات السلبية و اللاديمقراطية للمال و الدين على المجال السياسي المغربي ، و التي تهدد استقرار و تطور المغرب .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *