بحلول 7 دجنبر الجاري، تكون قد مرت 68 سنة على انتفاضة سابع وثامن دجنبر من سنة 1952 بالدار البيضاء ضد المستعمر الفرنسي، حين ثارت ساكنة المدينة في وجه المستعمر، بعد جريمة اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد يوم 5 دجنبر من السنة نفسها .
وقد أكد الشعب المغربي، من خلال هذه الانتفاضة، تشبعه بقيم التضامن مع باقي الشعوب المغاربية في نضالاتها ضد قوى الاستعمار الغربية، وتوقها إلى الحرية والاستقلال وبناء المغرب العربي الكبير.
وجسدت هذه الانتفاضة عمق البعد المغاربي للكفاح الذي خاضه العرش والشعب من أجل الحرية والاستقلال والوحدة، ونبل الروح الوحدوية التي كانت سائدة بين الأقطار المغاربية الشقيقة التي كانت تتفاعل مع كل التهديدات المحدقة باستقلالها بتبادل الدعم والمساندة، لأن قضية مقاومة الاحتلال الأجنبي والذود عن حياض الأوطان، تتجاوز الحدود القطرية والجغرافية .
وتشكل هذه الذكرى، التي تعد محطة تاريخية تحمل مقاصد وحدوية مغاربية، فرصة لاستحضار الروح الوحدوية السائدة بين الأقطار المغاربية، وللتشديد على أهمية بعث هذه الروح، بهدف بناء الصرح المغاربي وتقوية دعائمه، وإعلاء مكانة ساكنته بين الشعوب والأمم.
كما تعد هذه المحطة من تاريخ هذه المنطقة مناسبة لاستحضار صور التضامن العميق والتلاحم الوثيق بين الأشقاء بالمغرب الكبير وتكاثفهم وتآزرهم في مواجهة الشدائد ومقارعة النوائب، إدراكا منهم لأهمية الكفاح المشترك سبيلا لصون مقدساتهم الدينية وثوابتهم الوطنية، وإيمانا من الشعوب المغاربية التواقة إلى التحرر والكرامة بوحدة المصير، واقتناعها الراسخ بأن قوتها تكمن في تكتل كياناتها والتنسيق بين أقطارها.
وبحسب العديد من المؤرخين فقد شكلت هذه الانتفاضة منعطفا حقيقيا في تاريخ كفاح الشعوب المغاربية، والعمالية على الخصوص، إذ كانت المنطلق لبناء عمل نقابي وحدوي، جمع إرادة الشعوب ووحد تطلعاتها نحو وطن مغاربي بلا حدود.
فالأمر يتعلق برائد من رواد الحركة العمالية، أرسى قواعد العمل النقابي المناضل، وعمل بقوة من أجل تأسيس اتحاد نقابي على مستوى شمال إفريقيا، يجمع كل النقابات التي نشأت بالمغرب والجزائر وليبيا.
وإن المغرب الذي ظل دائما قلعة شامخة للجهاد وعرينا منيعا للمقاومة والنضال، ليجدد استعداده وجاهزيته للتعاضد والتضامن مع الأشقاء المغاربيين في أفق بناء الوحدة المنشودة والسعي لتدارك الفرص الضائعة وتجاوز النزاعات المجانية التي ظلت تقف حجر عثرة في وجه إقلاع اقتصادي حقيقي بمنطقة المغرب الكبير، كما أننا مدعوون لصيانة الذاكرة التاريخية المشتركة وإبراز أمجادها وملاحمها، واستلهام قيمها وعبرها بما يشحذ الهمم ويذكي العزائم ويوطد العلاقات والمصالح بين بلدانها مجتمعة.
فالفرصة سانحة للتأكيد مجددا على الموقف الثابت للشعب المغربي، وأسرة المقاومة وجيش التحريـر، وكافة مكونات وأطيــاف المجتمع، وتعبئتهم المستمرة ويقظتهم الموصولة وتجندهم الدائم وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس، من أجل تثبيت المكاسب الوطنية والدفاع عن وحدتنا الترابية غير القابلة للتنازل أو المساومة، متشبثين بالمبادرة المغربية القاضية بمنح حكم ذاتي موسع لأقاليمنا الجنوبية المسترجعة في ظل السيادة الوطنية.
هذا المشروع الذي حظي بالإجماع الشعبي لكافة فئات وشرائح ومكونات الشعب المغربي وأطيافه السياسية والنقابية والجهوية والمدنية، ولقي الدعم والمساندة بالمنتظم الأممي الذي اعتبره آلية ديمقراطية وسياسية وواقعية لإنهاء النزاع الاقليمي المفتعل حول أحقية المغرب على أراضيه وسيادته الوطنية من طنجة إلى الكويرة.
كما أن المناسبة سانحة للوقوف عند مضامين الخطاب السامي الذي وجهه ، صاحب الجلالة الملك محمد السادس ، إلى الأمة يوم 7 نونبر 2020 بمناسبة الذكرى 45 للمسيرة الخضراء المظفرة، والذي كان بحق صريحا وقاطعا فيما يتعلق بالموقف المغربي من قضية وحدتنا الترابية ، مشددا على أن لا حل لهذا النزاع المفتعل خارج السيادة المغربية وخيار الحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية والذي شهد المجتمع الدولي بجديته ومصداقيته.
وبمناسبة تخليد هذه الذكرى الغالية والتعريف بحمولاتها ودلالاتها التاريخية، أعدت النيابة الجهوية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بالدار البيضاء بتنسيق مع السلطات الإقليمية والمحلية وبشراكة مع موقع MICG24 وفعاليات المجتمع المدني وأسرة المقاومة وجيش التحرير، برنامجا حافلا بالأنشطة يتضمن بالإضافة إلى كلمة المناسبة التي سيلقيها السيد مصطفى الكتيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، فقرات تربوية وثقافية وتواصلية ، عن بعد ، منها زيارات لفضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بالدار البيضاء، ومعارض افتراضية لإصدارات ومنشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وعرض أشرطة وثائقية .
وستتوج هذه الفعاليات بتنظيم ندوة فكرية، عن بعد، وعبر تقنية التواصل الرقمي سيتم بثها على الصفحة الرسمية للمندوبية على موقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك)، والصفحة الرسمية للنيابة الجهوية للمندوبية بالدار البيضاء، في موضوع ” البعد المغاربي للنضال الوطني من أجل الاستقلال”، يؤطرها وينشطها ثلة من الأساتذة الباحثين.
إن انتفاضة الدار البيضاء، تشكل عنوانا للآمال التي ظلت الشعوب المغاربية تتطلع إليها منذ عدة عقود بتحقيق الوحدة والتكامل، والتي ظلت مجرد مشروع يتأجل باستمرار جراء نزاعات هامشية مفتعلة، ومواقف مزاجية، وأطماع وهمية لفرض الهيمنة والتوسع في منطقة المغرب العربي الكبير.