أشرف أولاد الفقيه
اثارت مراسلة السيد عامل إقليم تطوان إلى السيد رئيس جماعة تطوان، بخصوص منح الرخص الخاصة لإدخال الماء والكهرباء لفائدة البنايات غير القانونية جدلا واسعا على صفحات التواصل الاجتماعي، وخاصة من قبل “الكتائب الإلكترونية” لحزب المصباح التي حاولت أن تضفي الشرعية على هذا النوع من الرخص، باعتبار أن السلطة المحلية هي من تتحمل انتشار البناء غير القانوني، وبالتالي فإن منحها ترخيصا لإدخال الماء والكهرباء، يعتبر مجرد تحصيل أمر حاصل، لا يمكن تغييره.
هذا التبرير هو ما سيحاول محمد إدعمار رئيس جماعة تطوان يقنع به الرأي العام من خلال خرجته الإعلامية على منبر “PJD.com” متسائلا من الذي يسبق البناء واستكمال جميع أساساته أم التزود بالماء والكهرباء؟ مؤكدا بأن الفلسفة الأساسية لهيكلة الأحياء العشوائية هي تزويد الناس بالماء والكهرباء والصرف الصحي. كما أوضح في نفس السياق أن منح هذه الرخص يتم في إطار اتفاق مبدئي بين الأطراف (دون أن يحدد هوية هذه الأطراف) معتبرا أن الترخيص يبقى مؤقتا في انتظار تسوية المعني بالأمر لوضعيته القانونية بشكل كامل”.
يتضح هنا أن رئيس جماعة تطوان يحاول إضفاء الشرعية على منح هذا النوع من الرخص من خلال التبرير بكون هذه العملية كانت تتم قبل توليه رئاسة الجماعة سنة 2009، وهذا التبرير لا يمكن أن ينطلي على أحد، وخاصة المتتبعين للشأن العام المحلي، والتغييرات والتعديلات التي طالت مجموعة من القوانين والأنظمة الأساسية والمراسيم واللوائح التنظيمية التي تحدد الإطار العام لاختصاصات الجماعات الترابية، وهذه التغييرات طالت على وجه الخصوص القانون المنظم للجماعات مرتين متتاليتين الأولى سنة 2009 من خلال القانون رقم 17.08 والذي حدد بشكل واضح اختصاص في ميدان شرطة التعمير من خلال حصرها في منح رخص البناء والتجزئة والتقسيم والمجموعات السكنية ورخص احتلال الملك العام لغرض البناء، كما أعطى للمجالس الجماعية اختصاص المشاركة في إنجاز برامج إعادة الهيكلة العمرانية ومحاربة السكن غير اللائق. ثم جاء القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات الذي ألزم رؤساء الجماعات بضرورة احترام ضوابط تصاميم إعداد التراب ووثائق التعمير، وعلى منح رخص البناء والتقسيم والتجزيء مع التقيد بالآراء الملزمة المنصوص عليها في النصوص التشريعية الجاري بها العمل، ولا سيما الرأي الملزم للوكالة الحضرية، كما سنلاحظ أنه قد سحب من المجالس الجماعية اختصاص المساهمة في برامج إعادة الهيكلة العمرانية، التي أصبحت من اختصاص القطاعات الوزارية المعنية بالتعمير.
وفي نفس السياق جرت إصلاحات جذرية على مستوى تنظيم قطاع التعمير، ولا سيما من خلال صدور القانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء الذي دخل إلى حيز التنفيذ في شهر غشت 2016، والذي أعطى لرئيس الجماعة اختصاصا جديدا هو منح رخص تسوية وضعية البنايات غير القانونية بعد موافقة الوكالة الحضرية، واعتبر أن هذه الرخصة تحل محل رخصة السكن أو شهادة المطابقة، كما أكد نفس القانون على أن استعمال بناية بدون الحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة يعتبر مخالفة للقانون الجاري به العمل في ميدان التعمير (هل يعلم رئيس جماعة تطوان أنه بتمكينه أصحاب البنايات غير القانوني من الرخص الخاصة المذكورة يعتبر مساهمة مباشرة في تمكين هؤلاء من مخالفة قاعدة قانونية ملزمة؟” وفي الأخير لا بد من التذكير كذلك بالدورية الوزارية المشتركة ما بين وزارة الداخلية ووزارة الطاقة والمعادن ووزارة الشؤون العامة والحكامة سنة 2014 التي أعطت للسلطات المحلية اختصاص منح رخص إضافة عدادات الماء والكهرباء (وليس الربط بالشبكة لأول مرة) ثم صدور دورية لوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت سنة 2019 التي أوقف بها قرارا للوزير الرباح الذي يبيح لأصحاب البنايات إدخال الماء والكهرباء بمجرد الإدلاء بشهادة السكنى.
وهكذا يبدو جليا أن وزارة الداخلية باعتبارها الجهة الوصية على المرافق المفوضة، تتجه نحو مزيد من الصرامة في احترام ضوابط البناء، ومحاربة جميع الاختلالات في ميدان التعمير، والتي تساهم في المزيد إضفاء مظاهر القبح على الوسط الحضري، مع ما يتبع من ذلك من انتشار أحزمة الفقر والبؤس والهشاشة والافتقار إلى أبسط مقومات العيش الكريم في هوامش المدن.
إن ما قام به رئيس جماعة تطوان يعتبر اغتصابا للسلطة من حيث إصدار قرارات لا تدخل ضمن قائمة اختصاصاته، وبالتالي فإنها لا تعتبر باطلة فحسب، ولكنها تعتبر معدومة مع ما يترتب عن هذا الوضع من نتائج، ولذلك نعتبر أن السلطات الإقليمية يجب أن تنبه المؤسسات المفوض لها توزيع الماء والكهرباء إلى عدم اعتماد مثل هذا النوع من الرخص التي تفتقر إلى أي أساس أو سند قانوني، وتحميلها كامل المسؤولية القانونية في حالة اعتمادها.
إننا نعتبر أن إشكالية منح هذه الرخص غير القانونية هي إشكالية استغلال حاجة الناس إلى مادة حيوية للدعاية الانتخابية، ولو كان ذلك على حساب خرق القواعد القانونية، وهذا ما لا يمكن القبول به لأن يضرب في العمق بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة ما بين الهيئات السياسية في إقناع الناخبين ببرامجهم الانتخابية. أما لو كانت الإشكالية تتعلق فقط بتلبية حاجيات المواطنين الأساسية، فإن بالإمكان حلها بواسطة الإجراءات التي يسمح بها القانون، وفي مقدمتها إبرام اتفاقيات تعاون مع القطاعات الوصية على قطاع التعمير من أجل إعداد تصاميم قطاعية وهيكلية للأحياء التي ينتشر فيها البناء العشوائي، قصد تسوية وضعيتها إزاء مدونة التعمير. وتبقى الإشكالية الكبيرة، هل الجماعات الترابية أداة لتنظيم المجال، أم هيئة لتكريس الفوضى والعشوائية فيه؟