الرسالة الملكية التي صفعت إدريس لشكر بصمتها.. تهنئة بطعم العتاب السياسي

خالد بوبكري
كانت الرسالة الملكية الموجهة إلى إدريس لشكر عقب ما سمي بـ“التمديد لولايته” كاتبا أولا للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أشبه بطلقة صامتة وبكلمات مهذبة لكن مشحونة بدلالات لا تخطئها البصيرة السياسية.

رسالة قصيرة من فقرتين فقط، خلت من حرارة التهاني المعتادة التي ترافق عادة الرسائل الملكية الموجهة إلى قادة الأحزاب بعد انتخابهم ديمقراطيا، وجاءت بعبارات محسوبة على الميليمتر لا مجاملة فيها ولا تزكية لشرعية مهزوزة.

ففي الوقت الذي انتظر فيه ادريس لشكر مديحا ملكيا على مقاس غروره السياسي، جاءه الخطاب بارداً منضبطاً خالياً من العبارات التي تقال عادة في سياق الانتخاب الديموقراطي.

اكتفى النص بعبارة “إعادة انتخابك كاتب أول”، وكأن القلم الملكي أراد أن يذكره أن الكلمة مفتاح الموقف وأن “الانتخاب” ليس “التمديد” وأن الشرعية لا تُمنح عبر أبواب خلفية.

والأكثر دلالة هو تجنّب الرسالة لعبارة “الولاية الرابعة” واستبدالها بتعبير أنيق: “ولاية أخرى”، وهذا ليس تفصيلا لغويا بل موقف سياسي واضح بلغة اللباقة، فالدولة لا تصادق على العبث الحزبي ولا تبارك تمديداً تمّ خارج منطق التداول والديمقراطية الداخلية.

لقد كانت الرسالة الملكية درساً في البلاغة السياسية، فهي تقول كل شيء دون أن ترفع الصوت او تؤنب من انقلب على روح العمل السياسي دون أن تسميه لكنها تتركه يواجه مرآة ضميره.

وادريس لشكر الذي اعتاد أن يوزع الولاءات على المقاس تلقى هذه الرسالة كصفعة راقية من مؤسسة لا تنسى ولا تغفل.

فهو يعلم أن القصر كان يتابع ما جرى في مؤتمر بوزنيقة من فوضى وتوجيه وتحييدٍ للأطر وإقصاءٍ للمناضلين الحقيقيين لصالح جوقة الطاعة وأن الشرعية الديموقراطية التي يلوح بها اليوم مصنوعة على أنقاض حزب كان يوما مدرسة في النضال والديمقراطية.

الرسالة الملكية لم تجامله، بل ربما وضعت أمامه سؤالاً ضمنياً: أي اتحاد اشتراكي تريد أن تورثه للأجيال حزب المبادئ والقيم والتربية على المواطنة أم حزب الصفقات السياسية؟

لقد قال الملك دون أن يقول إن الديمقراطية ليست ديكوراً حزبياً يستعمل لتزيين الواجهة بل مسؤولية تاريخية، وإن من خان روح المؤسسة الحزبية وتلاعب بإرادة المؤتمرين واحتكر القرار الحزبي لخدمة ذاته وحاشيته لا يستحق سوى تهنئة بارد، لأنها ليست تهنئة بقدر ما هي إنذار مكتوب بخط الصمت.

الرسالة الملكية لم تكن مجاملة، بل كانت تذكيراً بأن من يسيء إلى صورة مؤسسة حزبية يُسيء إلى صورة الوطن ومؤسساته وأن السياسة ليست حرفة لتوزيع المناصب والمغانم بل تكليف وضمير.

فهل فهم ادريس لشكر الرسالة أم أنه سيواصل دفن ما تبقى من رماد الحزب العريق تحت قدميه غير مدرك أن التاريخ لا يرحم من باعوا الشرعية الديموقراطية باسم “الولاية الرابعة”؟