عبد السلام المساوي
بداية الحكاية – المسخرة
“حدث ان كانت سابقة في التاريخ المغربي : لأول مرة يخرج رئيس حكومة سابق ليبلغ عموم الناس انه طلب من زوجته مهلة ثلاثة أشهر لتسوية أحواله المالية ، وأنه شرع في البحث عن عمل يسد به رمقه …
بالنسبة لمنتقديه ، ما أقدم عليه رئيس الحكومة السابق من تباكي امام عموم الناس لا يليق برجل كان مسؤولا كبيرا في الدولة ، وآخرون لم يصدقوا كيف للفقر ان يطرق أبواب سياسي كبير ظل برلمانيا لمدة تقارب النصف قرن ، وقضى خمس سنوات رئيسا للحكومة ، ولديه استثمارات سابقة في التعليم الخاص والتجارة .
وعاد آخرون الى تقليب بعض صفحات التاريخ ، وفي المحصلة تسجيل لعبد الإله بنكيران في بداية دخوله البرلمان يسأل فتح الله ولعلو ، وزير الاقتصاد والمالية في حكومة ع الرحمان اليوسفي ، عن المعاشات الاستثنائية ، ويشرح انها غير معقولة في ظل وجود مواطنين يعانون الفقر وان هؤلاء هم الاولى بتلك الاموال من الوزراء …
والأكثر سخرية من ابن كيران او غضبا منه تساءلوا كيف يمكن لبنكيران ، الذي أجبر الموظفين على مراجعة نظامهم للتقاعد ، ان يحصل على تقاعد بقيمة سبعة ملايين سنتيم دون أن يساهم فيه ولو بدرهم واحد .
والظاهر ان حزب العدالة والتنمية استشعر حجم الحرج ، الذي وضعه فيه امينه العام السابق ، ولذلك لم يتبين روايته بشأن حصوله على حصوله على تقاعد استثنائي أمر له به الملك محمد السادس ، ولم ينشرها في موقعه الإلكتروني الرسمي .
كان بإمكان بنكيران الا يثير كل هذا الجدل من حوله ، والذي تحول الى انتحار رمزي لشخصه ، لو انه سلك المسطرة العادية للحصول على معاشات الوزراء ، وهي المسطرة التي ينظمها القانون ويحدد شروط الاستفادة ومقدارها .
لكن ابن كيران أخبر الجميع انه رفض التوقيع على وثائق وزارة الاقتصاد والمالية ، وأنه لم يقبل بالمعاش الا بعد أن أمر له به الملك . وبسبب ذلك فتح بابا اخر للسخرية والتهكم ، وقال منتقدوه مرة أخرى انه رفض مسطرة المعاش الحكومي ، لأنها لن تدر عليه سوى أربعة ملايين سنتيم ، في حين أن مسطرة المعاش الملكي تضمن له تسعة ملايين سنتيم .
لكن ابن كيران ليس رجل الماديات كي يحسب معاشه بهذا الشكل ، هو رجل رمزيات سياسية ، ومن قلب الفقر والمعاش الاستثنائي يريد ايضا ان يخرج برمزيات جديدة .
وفي هذه النازلة طرح السؤال التالي : لماذا رفض بنكيران معاش وزارة الاقتصاد والمالية وقبل المعاش الاستثنائي الذي أمر به الملك ؟
الجواب لا يوجد في السياسة العصرية ، بل في أدبيات السلاطين القدامى ، كما يتصورها ويريد أن يعيشها ابن كيران ، الرجل لا يريد تعويضا من الدولة ، يريد تعويضا من ” السلطان ” . وهو يعتبر نفسه قدم خدمات للملكية خلال ” الخريف العربي ” وليس لغيرها ، وعليها أن تدفع الثمن النقدي لذلك .
وابن كيران يريد ، ايضا ، ان يناقش معاشه الاستثنائي بمنطق المخزن الكلاسيكي وليس بمنطق الدولة العصرية ، هو يؤمن بما يسميه الدكتور عبد اللطيف أكنوش ” نظام المكافآت الممول للشرعية للنظام المغربي ” والذي يحصل عليه خدام ” دار المخزن ” بعد مغادرتهم ” للعمل السياسي الإجرائي ” ، ولا يؤمن بنظام التعويض عن المهام الذي تعتمده بروتوكولات وقوانين الدولة الحديثة .
ووفق هذا المنطق المخزني العريق ، وبروتوكولات الآداب المخزنية ، اقحم ابن كيران الملك في تناقضاته الشخصية ، وجعل المبادرة الملكية ، وهي التفاتة إنسانية ، ورقة حمراء يشهرها في وجه منتقديه ، وحصنا منيعا يختفي وراءه كي لا يتحمل مسؤولية اختياراته .
ولذلك تساءل كثيرون باستغراب : كيف يمكن لكل هذه الثروة التي يجنيها حزب البيجيدي من السياسة والانتخابات ان تنتج لنا ( زعيما ) ورئيس حكومة سابق يكاد يصل إلى تلك المرحلة التي لا يجد فيها ما يسد به رمقه .
وفي الواقع لم تكن الحكاية حكاية فقر ، كانت محاولة أخرى للمتاجرة بالفقر من أجل رسم صورة معينة في أذهان المغاربة البسطاء على بعد مسافة قليلة من انطلاق السباق الانتخابي الاكثر ضراوة “
مرة اخرى ، مرات ومرات ، لازمة لن نمل من تكرارها : انهيار أسطورة الطهرانية الأخلاقية للبيجيدي و ل ” كبيرهم ” و ” زعيمهم ” عبد الالاه بنكيران ….المتاجرة بالدين مربحة ، المتاجرة بالفقر مربحة ، فالمتاجرة باللغة العربية والمتاجرة بالوطن …وحدهم المواطنون والمواطنات مخدوعون منخدعون ، يدفعون ثمن انخداعهم ، وكانت استحقاقات 2021 …انه غدا …وكان موعد الحساب …واذا الإسلاميون يؤمنون بالديموقراطية للمرة الواحدة ، فالمغاربة ينخدعون مرة واحدة……انتهى كلام ليبدأ كلام !