هاشتاغ _ الرباط
في بوزنيقة، لم يكن خطاب إدريس لشكر افتتاحاً لمؤتمر حزبي بقدر ما كان محاولة يائسة لإحياء جثة سياسية فقدت نبضها منذ زمن.
الرجل الذي يتحدث اليوم عن “تآكل الثقة واتساع الفوارق” هو نفسه من قاد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى التآكل الداخلي، وحوّله من مدرسة فكرية وطنية إلى جهاز انتخابي يعيش على فتات الريع السياسي والصفقات المصلحية.
إن ادريس لشكر، الذي وصف اللحظة بـ”المنعطف التاريخي”، نسي أن حزبه هو من كان يوماً أحد صُنّاع التاريخ، قبل أن يُفرّغه من محتواه النضالي ويحوّله إلى واجهةٍ للخطابات الانفعالية لا علاقة لها بالواقع ولا بالمبادئ التي أسسها بوعبيد واليوسفي.
فحين يتحدث عن “الوضوح الفكري والجرأة السياسية”، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو غياب الاثنين عن سلوك الرجل نفسه، الذي بنى مجده السياسي على الازدواجية والانتهازية وتكييف المواقف حسب المناخ.
وإذا كان قد وجّه سهام نقده إلى “الريع والزبونية”، فالمفارقة أن ريع الزعامة هو ما يحرّكه اليوم؛ زعامة مبنية على التحكم في المؤتمر وفرض الولاءات وتوزيع المناصب داخل الحزب كغنائم شخصية. وما يسميه “أزمة الثقة بين المسؤولين والمواطنين”، هو في الحقيقة أزمة الثقة بين المغاربة وحزبه، بعدما تحوّل إلى مجرد ظلّ باهت لتاريخه المجيد.
وحين تحدث ادريس لشكر عن “استقلال القضاء” و”ازدواجية القرار”، بدا كمن يحاول تسويق نفسه كمعارض من داخل قاعة مكيفة، وهو الذي قضى سنوات يُهادن كل من يملك النفوذ ويهاجم كل من يجرؤ على مساءلته داخل الحزب. فخطابه لم يكن دعوة إلى الإصلاح، بل مناورة لتمديد بقائه السياسي وسط أنقاض تنظيمٍ أنهكه التسلّط والتوريث الحزبي.
وحتى دعوته إلى “انتقال من دولة مسعِفة إلى دولة محفِّزة” لا تعدو كونها استعارة باردة لواقعٍ يعرف هو نفسه أنه ساهم في إضعافه. فأي تحفيز يتحدث عنه من قاعةٍ تُصفّق له فيها وجوه فقدت المصداقية، وأي ديمقراطية اجتماعية في حزبٍ تُمنع فيه الأصوات المعارضة من التعبير وتُفصّل مؤتمراته على المقاس؟
في بوزنيقة، كان المشهد واضحاً: زعيم يتحدث عن المستقبل وهو غارق في ماضيه، وحزب يبحث عن بعثٍ جديد في ركام الخطابات القديمة.
لقد أراد ادريس لشكر أن يظهر بمظهر المفكر الإصلاحي، لكنه بدا كمن يقرأ من نصٍ منتهي الصلاحية، يكرّر كليشيهات فقدت معناها منذ أن باع الحزب تاريخه مقابل مقعد في مائدة عزيز أخنوش.
لقد قال لشكر: “لسنا هنا لتجميل الواقع”، لكنه فعل ذلك تماماً. فبدلاً من مواجهة مسؤوليته عن انهيار الاتحاد الاشتراكي، لجأ إلى لغة الخداع السياسي والتجميل البلاغي، محاولاً إقناع الحاضرين بأن العلة في غيره لا فيه.
لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في عهد إدريس لشكر لم يعد حزبا، بل مشروع شخصي فاشل لرجلٍ ما زال يعتقد أن الخطابة تُنقذ التاريخ حين يعجز الفعل عن ذلك