الزوات يكتب: شباب الأصالة والمعاصرة بين وهم إلياس ووعود بنشماس

بقلم المهدي الزوات

لا حديث اليوم في أوساط شباب حزب الأصالة والمعاصرة إلا عن مؤتمر استثنائي لمنظمتهم الشبابية. ولا تحرك وتكثل الا في اتجاه التحضير المسبق لمؤتمر لم تتضح بعد معالمه، ولم تظهر بعد بوادره.

فطبيعي أن يطمح الشاب، خلال مساره السياسي، إلى تذوق طعم القيادة وهو في بداياته التنظيمية، وطبيعي أن يحلم بإطار قوي ومتماسك، قادر على استيعاب طموحه واندفاعه. وبالتالي، فمن الطبيعي والحتمي أن يقوم بكذا مناورات ومحاولات للدفع بقيادة حزبه نحو خلق هذا الإطار وبلوغ طموحه.

فهل من الطبيعي أن يقوم حزب سياسي، حصل على المرتبة الثانية خلال الانتخابات التشريعية، بكل هذه المناورات والمحاولات لفعل أي شيء ما عدا خلق تنظيم شبابي مستقل سياسيا وقانونيا؟ هل من الطبيعي أن تفشل كل محاولات خلق موجة جديدة من العمل الشبابي الحزبي في المغرب ومع ذلك “ما ينعلوش الشيطان” ويؤسسوا شبيبا بالقواعد المتعارف عليها؟

كي نتحدث عن تنظيم “شبيبة” حزب الأصالة والمعاصرة ونجيب على الأسئلة السابقة، لابد أن نتطرق لكرونولوجيا ولادة هذا التنظيم، فمن المهم أن نتطرق لتطور الأحداث كي نتمكن من تشخيص الواقع الحالي.

رابطة الشباب الديمقراطيين المغاربة

عند إطلاق حركة لكل الديمقراطيين، انطلقت بالموازاة معها رابطة الشباب الديمقراطيين المغاربة التي أسسها مجموعة من الشباب المغاربة اللذين يدرسون بالديار الفرنسية كان يقودها المهدي بنسعيد. زارهم هناك، بفرنسا، مجموعة من رموز مبادرة حركة لكل الديمقراطيين على رأسهم فؤاد عالي الهمة.

والتحق، بعد ذلك، بهذه المبادرة محموعة من الشباب الآخرين، وكان أهم ما حققوه، بمساندة مجموعة من القياديين، هو تخصيص حصة 20٪ للشباب بكل هياكل الحزب الذي سيتم تأسيسه، وفعلا كان حضور هذه المبادرة قوي في المؤتمر التأسيس تتوج بإلقاء مهدي بنسعيد كلمة بإسم الشباب المؤسسين للحزب.

لكن لغته العربية المتعثرة كانت سببا في انطلاق حوار ساخن عن ما إذا كان حزب الأصالة والمعاصرة حزبا ل”ولاد الشعب” أم أنه سيكون نسخة للتجمع الوطني الأحرار، آنذاك، حيث مكانة الشباب مرتبطة بعلاقتهم بالقيادات أو العائلات “المانحة” للحزب في إشارة إلى قرب مهدي بنسعيد من خديجة الرويسي.

وهكذا بدأ جبل الجليد في الذوبان بعد مدة ليست بالطويلة وأصبحت رابطة الشباب الديمقراطيين المغاربة تنظيما مدنيا شبابيا محسوب على حزب الأصالة والمعاصرة وأنشطته مدنية بعيدة عن ما هو حزبي رغم اكتسائها للطابع السياسي.

اللجان الجهوية للشباب

كان لبيد الله، بصفتحه أمينا عاما للحزب، الجرأة في اتخاذ قرار قوي بعد أن قام برفض كل مكاتب الأمانات المحلية والجهوية التي لم تحترم كوطة الشباب والمرأة، فكانت مبادرة أكثر من محمودة لما تحمله من دعم لسياسة التمييز الإيجابي التي تبناها المغرب.

اندفاع الشباب وحماسهم دفعهم لقيادة ترافع مميز بكل من الدار البيضاء وفاس نتج عنه قرار إنشاء لجان جهوية للشباب تقوم بتنظيم أنشطة شبابية تهدف إلى تكوينهم وتأطيرهم. في الدار البيضاء قادها الشاب مهدي المنصوري، وفي فاس الشاب حسن العيساتي.

صراعات شبابية، طبيعية، كانت وراء “فشل” هذه المحاولة التي كان بإمكانها، بقليل من الحكامة الجيدة، أن تنجح في صناعة تجربة منفردة في في تعاطي مؤسسة الحزب مع فئة الشباب، وذلك عن طريق دمجهم في التنظيم الرئيسي، عوض الإزاحة “اللطيفة” التي تكون بواسطة خلق تنظيم موازي يقوم فيه الشاب بكل شيء إلا أن يكون جزءا حقيقيا ف المعادلة التنظيمية لحزبه، وبعد مغادرته لسن الشباب، يجد نفسه أمام معركة جديدة الحصول على مكان تنظيمي، تنتهي بعد عشرات السنين، فتكون النتيجة أن كل الأمناء العامين للأحزاب في المغرب فوق سن الستين.

ثكنة إلياس العماري (الشبيبة الوهمية)

إلياس العماري، والذي شأنه شأن حميد شباط وادريس لشگر، استطاع أن يضع بصمته، السلبية، على المشهد السياسي الوطني، وبالتالي، فطبيعي أن يتم إسقاط هذه “البصمة” على التنظيم الداخلي لحزب الأصالة والمعاصرة،ومنه على شبيبة الحزب.

إلياس فهم أن ما ينتظره من صراعات مع المشروع الإسلامي لحزب العدالة والتنمية لن يترك له مجالا لمواجهة اندفاع الشباب وتوهجهم. فما كان له إلا أن قام بأكبر عملية تمويه في تاريخ تعاطي الأحزاب السياسية مع شبابها، فقام بخلق شبيبة “وهمية” لا أساس ولا سند قانوني لها، يلتحق بها الشاب من أجل التصارع، وحتى إذا لم يحصل ذلك تلقائيا، فإلياس كان قاظرا على فعل ذلك بطريقته.

تصارع، تحالف وتنافر الشباب من أجل هذه “الشبيبة”, بين من لديه تراكمات تنظيمية منذ التأسيس وآخر لديه امتداد ميداني، كان الكل ينتظر “التعليمات” وماذا سيقرر “الفوق” الذي لا طالما شكل عصى موسى التي تحكم بها إلياس العماري في خيوط هذا الحزب، بل وأحيانا خارج الحزب. انتهى زمن إلياس ولم يكتب للشبيبة أن تكون فاعلة كما يجب.

وعود بنشماس

بمجرد وصول بنشماس للأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، بطريقة استثنائية مقارنة بالمشهد السياسي المغربي، شرع في إعطاء وعود ووعود كثيرة كانت تنحصر بين اعادة الثقة للمناضلين، وهذا في حد ذاته إقرار بأن حقبة إلياس أفقدت المناضلين الثقة، وإعطاء نفس تنظيمي جديد للحزب عن كريق تدابير فعالة من بينها إستقلالية التنظيمات الموازية التي لم تكن في عهد الياس العماري ترقى حتى لحجم اللجان الداخلية للأحزاب التي تحترم قواعدها ومناضليها.

مر الآن على تولي بنشماس لمنصب الأمين العام للحزب ما يقارب السنة، ولم ينجز من كل انتظاراته إلا اجتيازه بنجاح لانتخابات نصف الولاية لرئاسة مجلس المستشارين. ضغط الشباب يزداد مع انتظارهم الإفراج عن تنظيم شبابي مستقل تنظيميا وقانونيا، والخوف أن يتحول هذا الضغد إلى احتقان داخلي، فحتى نظرية “الفوق” لم تعد تحدي نفعا بعدما قام بتحطيم قواعدها أصدقاء إلياس المتبقين في الحزب حين كانت ستستعمل ضدهم للذهاب بالحزب نحو مؤتمر سابق لأنوانه.

كخلاصة لكل ما سبق، نستنتج أن حضور الشباب في المشهد الحزبي للأصالة والمعاصرة كان موضوع صراع بين تيارين اثنين، واحد يؤمن بطاقة الشباب ويرى فيها رافعة للعمل التنظيمي، وآخر يرى في الشباب أداة لمواجهة تيار معين جعل من الحرب ضده سببا في وجوده السياسي عن طريق تقديم نفسه كمنقد “للدولة” من “المؤامرة” التي جاء هذا التيار لأجلها. ضاع على شباب الأصالة والمعاصرة عشر سنوات من التجربة التنظيمية، وضاع على الحزب 10 سنوات من التأطير كانت ستكون قادرة على إنتاج نخب سياسية حقيقية تضمن للحزب استمراره على المدى المتوسط والطويل. فهل سيفي بنشماس بوعده ويخلق فضاءا حقيقيا لتأطير وتكوين الشباب المنتمي لهذا الحزب؟ أم أن وهم إلياس سيستمر لمدة أخرى؟

في انتظار الجواب على هذا السؤال، في نظري، يجب على شباب حزب الأصالة والمعاصرة توحيد الصف والابتعاد عن تقديم نفسه أداة لبعض التيارات المتصارعة اليوم والتي جلها، كي لا نقول كلها، لم تدافع يوما عن الشباب ولم تخدم يوما قضاياه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *