بواسطة زكريا أحمد عبد المطلب
نحن الآن في عام 2019 ، موعدنا مع لحظة فارقة في تاريخ علم الفلك، فقد وعدنا العلماء العاملون في تلسكوب أفق الحدث “Event Horizon Telescope” بأن يشهد ذلك العام، ولأول مرة في تاريخ علم الفلك، الحصول على صورة لأكثر الأجرام الفضائية شعبية؛ صورة الثقب الأسود.
لكن لماذا تأخرنا كثيرًا في الحصول علي هذه الصورة، رغم التطور الهائل في تكنولوجيا الرصد الفلكي خلال الثلاثين عامًا الماضية؟
الإجابة ببساطة؛ لأن الثقب الأسود معتم تمامًا، لا ينبعث منه أي ضوء أو أي نوع من الأشعة الكهرومغناطيسية، من هنا يستحيل الحصول على صورة للثقب الأسود نفسه، إذن ما الذي وعدنا العلماء بالحصول عليه؟ ببساطة لقد وعدونا بالحصول على صورة لأفق حدث الثقب الأسود وليس الثقب الأسود نفسه، أظنك الآن قد عرفت لمَ أُطلق على التلسكوب الذي سيلتقط الصورة اسم تلسكوب أفق الحدث، وقبل التطرق في تفاصيل الحدث الموعود تعالوا نتعلم سويًا بعض المفاهيم الخاصة بالثقب الأسود وأفق حدث الثقب الأسود.
ما الثقب الأسود، وماذا عن أفق الحدث؟
الثقوب السوداء هي مناطق من الفضاء تزداد فيها الجاذبية، تجعل من المستحيل على أسرع الجزيئات المتحركة أن تهرب منها ولا حتى الضوء، من هنا جاءت تسميتها بالثقوب السوداء.
ظهر مفهوم الثقب الأسود في البداية بصورة نظرية مع أول حل لمعادلات النظرية النسبية العامة لأينشتاين على يد عالم الفيزياء والفلك الألماني كارل شفارتزشيلد عام 1915، حين أدرك أنه كان من الممكن للكتلة أن تقلُص إلى نقطة صغيرة لا نهائية، مما يتسبب في انحناء الفضاء من حولها بحيث لا يمكن لأي شيء -حتى فوتونات الضوء- الهروب منها.
واليوم يُطلق على تلك المنطقة المحيطة بالثقب الأسود اسم أفق الحدث، وسميت المسافة بين هذه الحدود والنواة الكثيفة “أو المتفردة ” في قلب الثقب الأسود باسم قطر شفارتزشيلد.
ولعقودٍ طوال، ظلّت الثقوب السوداء واحدة من غرائب النظرية النسبية العامة، ويومًا بعد يوم تزايدت ثقة الفيزيائيين في وجودهم، واليوم يُعتقد أن معظم المجرات تضم ثقوبًا سوداء.
حكاية الصور السابقة للثقوب السوداء
ليست هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها العلماء الحصول على صورة لمنطقة أفق الحدث للثقب الأسود، فقد شهد عام 1978 الحصول على صورة لأفق الحدث عن طريق المحاكاة الكمبيوترية بناءً على حسابات رياضية قام بها العالم جان بيير لومنت “Jean-Pierre Luminet”، وطبقًا لتصريحات العالم “كان ذلك حدثًا غريبًا في ذلك الوقت، حيث لم يكن الكثير من علماء الفلك يعتقدون بوجود أفق الحدث فعليًا”.
هذه الصورة الغامضة تُظهر القرص المسطح من المواد التي تقع في ثقبٍ أسود، إنها لا تبدو مسطحة، ويظهر من خلالها أيضًا قدرة الجاذبية الشديدة لثقبٍ أسود، إنه انحناء الضوء حوله.
تلسكوب أفق الحدث
لومينت كان الأول، لكنه لم يكن الوحيد الذي تأثر بالثقوب السوداء، فقد شهدت الشاشة الفضية بدورها العديد من التصورات للثقوب السوداء، أحدثها وأهمها فيلم كريستوفر نولان انترستيلر 2014، والذي يستند في جزء كبير منه إلى الصورة التي حصل عليها لومينت قبل عقود، وأشرف على الفيلم الفيزيائي النظري كيب ثورن من جامعة كالتك، حيث وقع اختياره على نسخه مبسطة لتكون أقل إرباكًا وأكثر جمالاً على الشاشة، رغم أنها وفقًا لكلٍ من لومينت و ثورن لا تُعبر بصورة حقيقية عن الثقب الأسود.
ومن ضمن الإصدارات الحديثة من صور الثقوب السوداء التي تم الحصول عليها عن طريق المحاكاة الكمبيوترية؛ صور الثقب الأسود، التي ظهرت مع الإعلان عن اكتشاف موجات الجاذبية بواسطة مرصد LIGO في 2016، وهي من عمل الفيزيائي الفلكي ألاين ريازويلو، من المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية والاتحاد الفلكي الدولي.