علي الغنبوري
من المؤكد ان الكل تابع مواقف حزب العدالة و التنمية ، من التطورات الاخيرة للقضية الوطنية، و إقدام البلاد على تطبيع علاقاتها مع دولة اسرائيل ، و كيف دبر الحزب هذه المواقف ، و ما تخللها من لبس و عدم وضوح ، خاصة امام تعدد الاراء المتناقضة التي رافقت الخرجات الاعلامية لعدد من قيادييه .
تعاطي حزب العدالة و التنمية مع هذه المستجدات السياسية ، و ان بدى في ظاهره المؤسساتي منسجمع مع خطوات الدولة في هذا الاتجاه ، الا ان هذا لا يعني ان الحزب على مستواه الرسمي عرف تناقضا واضحا و كبيرا في المواقف ، جعله يبدو في وضع الالتباس وعدم الوضوح ، ان اضفنا الى ذلك الخرجات العديدة لمجموعة من الفاعلين داخله ، تتضح لنا بشكل اكبر هذه الوضعية التي بات الحزب يتخبط فيها .
العثماني الامين العام و رئيس الحكومة.. التناقض التام
الكل يتذكر الموقف الصارم و الحازم لسعد الدين العثماني الامين العام لحزب العدالة و التنمية و رئيس الحكومة ، من مسألة التطبيع مع اسرائيل ،خلال احد لقاءات حزبه قبل اسابيع قليلة من توقيعه على اتفاق التطبيع، حيث صرح بالرفض التام لهذه الخطوة السياسية ، و اعتبرها بمثابة الخيانة ، ليشهد الكل على تغير موقفه و تحوله الى الاشراف على التوقيع هذا الاتفاق بصفته رئيسا للحكومة.
شبيبة العدالة و التنمية الرافضة للتطبيع
رفض التطبيع مع اسرائيل لم يقتصر فقط على الحزب ، بل رافقه موقف واضح و حازم من طرف ذراعه الشبيبي ، الذي اكد كاتبه الوطني امكراز (وزير التشغيل ) من خلال قناة ايرانية عن الرفض التام و المطلق لهذا القرار ، معتبرا ان الامر خيانة للامة و ضرب لوحدتها ، كما عبر عن رفض الشبيبة لاي مقايضة للصحراء بالقضية الفلسطينية ، مؤكدا ان حزبه لن ينخرط في هذا الامر .
الامانة العامة مواقف متضاربة و متناقضة
مباشرة بعد اعلان الولايات المتحدة عن قرارها التاريخي بالاعتراف بالسيادة المغريية على الصحراء ،و تأكيدها على الاتفاق مع المغرب على تطبيع علاقاته مع اسرائيل ، سارعت الامانة العامة للعدالة و التنمية على اصدار بلاغ ، اكدت من خلاله تثمينها للموقف الامريكي من الصحراء المغربية ، مع ابداء رفضها لاي تطبيع مع اسرائيل ، مؤكدة استمرار مواقفها السابقة الرافظة لهذا الامر .
لكن بمجرد ظهور العثماني و هو يوقع بنفسه على اتفاق التطبيع مع اسرائيل ، خرجت الامانة العامة لحزب العدالة و التنمية ببلاغ مغاير تؤكد من خلاله اصطفافها و راء العثماني و دعمها له ، و ثتمينها لما اسمته الاصوات العاقلة داخل الحزب ، و التي ساندت ما اقدم عليه العثماني .
بنكيران الاطفائي بدون صفة تنظيمية
كما هي العادة داخل العدالة و التنمية ،و لامتصاص الغضب الداخلي ، و لمحاولة تبرير التغير السريع في المواقف ، خرج بنكيران من جديد عبر الفايسبوك ليلعب دور اكفائي الحرائق التنظيمية و السياسية ، ليثمن ما قام به العثماني و يؤكد اصطفاف الحزب وراء الدولة ، معتبرا ان العدالة و التنمية جزء من النسيج الوطني الذي يعلي القضايا الوطنية عن اي قضايا اخرى .
بنكيران الذي لم يتحدث باي صفة حزبية او تنظيمية تذكر ، لقي تصريحه اشادة كبيرة من طرف الامانة العامة للحزب ، حيث تم التعامل معه كقطعة ثلج سقطت على النار التنظيمية المندلعة عقب توقيع العثماني عل. اتفاق التطبيع .
المجلس الوطني للحزب …التأجيل لتفادي التفجير
في خطوة استباقية ، لتهدأت حالة الغليان التي سادت في صفوف العدالة و التنمية بعد توقيع العثماني على اتفاق التطبيع مع اسرائيل، سارع ادريس الازامي الى دعوة المجلس الوطني الى الانعقاد ، في محاولة لخلق الاجماع المؤسساتي حول التغير في المواقف الذي فرض على الحزب .
هذه الخطوة الاستباقية سرعان ما سيتم التراجع عنها باعلان تأجيل انعقاد المجلس الوطني للحزب الى اجل غير مسمى ، تحت مبررات غير مقنعة و غير مفهومة، لا بالنسبة لمناضلي الحزب الذي غصت مواقع التواصل الاجتماعي بمواقفهم الرافضة ،و لا بالنسبة للراي العام الوطني الذي ينتظر مواقف واضحة من الحزب الاسلامي .
ما قام به حزب العدالة و التنمية ، خلال تدبيره لمواقفه التنظيمية و السياسية ، من المستجدات الاخيرة التي عرفها المغرب ، يؤكد بالملموس ان الحزب ، يعيش على وقع التباس سياسي خطير ، يضرب في العمق المصالح الوطنية ، و يجعلها محط مزايدات و تجاذبات حزبية .
فخروج بنكيران للحديث بشكل فردي ، و تثمين كلامه من طرف الامانة العامة للعدالة و التنمية ، هو ترسيم ضمني للعبث التنظيمي و السياسي الذي يحاول تكريسه الحزب، و تشتيت واضح للمسؤوليات ، و محاولة مكشوفة لتبادل الادوار ، و فرض واقع حزبي غير مؤسساتي ملتبس.
قرار حزب العدالة و التنمية تأجيل مجلسه الوطني ، هو دليل اخر على اخضاع المصالح الوطنية الى الحسابات التنظيمية ، و جعلها رهينة بمخرجات صراع الاجنحة الذي يعرفه الحزب ، فمن غير المقبول ان لا يكون لحزب رئيس الحكومة موقف واضح بخصوص قرار وطني استراتيجي له تأثير كبير على القضية الوطنية الاولى.
ما يقوم به حزب العدالة و التنمية هو نوع من الابتزاز و المقايضة السياسية ، و محاولة تحقيق مكتسبات ذاتية و حزبية ، على حساب القضايا الوطنية الاستراتيجية، و الاحتفاظ ببعض الاوراق للتنصل من مسؤولياته السياسية ، عبر خلق الالتباس التنظيمي و السياسي .