العدمية والخرافية

عبد السلام ألمساوي

القواسم المشتركة بين نزعة خرافية باهتة ظلامية ونزعة يسارية عدمية ، القواسم المشتركة بين هاتين النزعتين افتقادهما لروح الانتماء الى الوطن ، وهول فقدان الثقة العدمي في المؤسسات، ومحاولة الهروب إلى الأمام من خلال الاختباء وراء نزعة ثورية منفصلة عن الجماهير الشعبية التي يتوهمون التحدث باسمها …
ولأجل الوقوف على التناقض بين الشعار والتطبيق ؛ عندما يعجز اليسار العدمي عن لم الجموع حوله ، وعندما يقتنع ان العنوسة الجماهيرية ضربته في مقتل ، يلجأ لعشاق الزيجات المتعددة اي للتيار الديني الظلامي المتطرف لكي يخرج له الاف من الناس في الشوارع لئلا تبدو المظاهرات صغيرة وغير قادرة على قيام جماهيري ، وغير متمكن من عنفوان ودليل عافية حقيقي في الشارع ..

لقد اختار اليسار العدمي سب وشتم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، اكبر أحزاب اليسار وقاطرة قوى التقدم والحداثة ، وتخندق مع قوى الخرافة … قوى الرجعية والظلام …وهنا استحضر لينين ( اليسار المتطرف يلتقي موضوعيا مع اليمين المتطرف ) !!!

بعيدا عن جدل التبريرات الانهزامية والمواقف العدمية التي تجتر أطروحة ” احتضار ” اليسار ،بما هو خيار تقدمي ، ومسار مجتمعي ، نهضوي مرتبط بمطالب وتطلعات الفئات الشعبية الواسعة الى الديموقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية ؛ فان معضلة اليسار كامنة أساسا في أزمة اليساريين ذاتهم الذين انعزلوا عن ديناميات الحركية المجتمعية ، واختزلوا الانتماء اليساري في ترديد الشعار واصدار ” الفتاوى ” اليسارية ، بدل النهوض الفعلي ، العملي ، بمشروعه المجتمعي ، بمقوماته المترابطة عضويا ؛ الفكرية والجماهيرية والنضالية .

ما عاد أحد يجادل في أن اليسار العدمي ، غارق في خطابات التمجيد النابعة حكما من الحاجة المستديمة ” للصنمية الثورية “-

لقد أثبت التاريخ فشل كل المحاولات التي ارادت ان تؤسس أحزابا على أقصى يسار الاتحاد الاشتراكي …أنشئت ( البدائل ) ووحدت في ( بديل ) ، وكانت الحصيلة ، تجميع الأصفار ؛ دكاكين يسارية ونوادي سياسية منغلقة ومنعزلة عن الجماهير ، تنتج اللغو و( تبدع ) في سب وشتم الاتحاد الاشتراكي

– اليسار العدمي تخلى عن القيم اليسارية الكونية ، والنضال من أجل مجتمع ديموقراطي حداثي ، وتخصص في ( النضال ) من أجل إعلان ( نهاية الاتحاد الاشتراكي ) … يسار عدمي تجاهل ، عن سبق إصرار وترصد ، الخصم والعدو الحقيقي للديموقراطية والحداثة ….
– يسار عدمي متضخم الزعامات على الفراغ …وبنرجسية مرضية يتوهم امتلاك الحقيقة….
– منذ بداية البدايات ، منذ السبعينيات وفي الجامعة ، الذين ركبوا الغلو والتطرف وتموقعوا في الاقصى البعيد للاتحاد الاشتراكي ، تحولوا مع الزمن إلى أقصى اليمين ( سبحان مبدل الاحوال ) …
– وهم كطلبة ( ثوار ) قرصنوا الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ووجهوا له الضربة القاضية فلم تقم له قائمة ….

ان حزب الاتحاد الاشتراكي ، وهو يقدم على المراجعات واتخاذ القرارات في المؤتمر الوطني العاشر ، استحضر كل الخلخلة التي يتطلبها الحقل السياسي من أجل تعزيز قوى الحداثة ، والطريق الذي لا زال ينتظرالمغرب في مجال التحديث ….لقد تبين له أن اليسارالمشتت والموزع على دكاكين بزعامات واهمة ، والذي أنشأ ( بدائل ) ووحد ( البدائل ) في ( بديل ) على أقصى يسارالاتحاد الاشتراكي ، سلوكاوممارسة ، غير معني بالتحديث ، وانه تخلى عن القيم اليسارية الكونية ….تخلى عن الانسان …وانه يبني امبراطوريات النضال الوهمية في دواخل استيهاماته ..لا هو متمكن من أدوات تطبيق شعارات يرددهاوتنزيلها على أرض الواقع ، ولاهو ممتلك ناصية الحديث مع الشعب الذي يتحدث باسمه ليل نهار رغم ان هذا الشعب لا يعرفه !!!

مرت تحت الجسور سيول ، ولم يعد وفيا للفكرة اليسارية الا الاتحاد الاشتراكي الذي ظل على الإيمان المبدئي الاول المبني على الانتماء للإنسان ، العاشق للحرية والديموقراطية والحداثة ، المتمثل لهافعلا لا قولا وشعارا فقط ….

يمكننا اليوم ان نعود الى الماضي ، وان نفتح كتاب الذكريات ، وأن نشرع في تأنيب البعض ولوم البعض الثاني وعتاب البعض الثالث على تلك الموجة من التساهل التي عمت كليات المغرب وجامعاته ذات تسعينيات ، من أجل تسهيل المأمورية على ” العدل والاحسان ” ، لكي تلقي القبض على مختلف المواقع الجامعية ، ولكي تعلن دولة القومة او الخلافة على منهاج النبوة في الحرم الجامعي قسرا وعبر السيوف والاعتداءات والغزوات المنظمة بعناية والمحروسة بعين لا تنام .

يمكننا أن نقلب المواجع على بعضنا البعض وأن نطرح السؤال : من كان يهمه في تلك السنوات التي تبدو بعيدة الان أن يمحو تماما أثر الفكر العقلاني اليساري العلماني التنويري من الجامعة ، وأن يؤذن في الناس بفكر وعلم جديد يقوم على ادخال الخرافات الى الجامعات وحشو أذهان الطلبة بكتب الفقه المتطرفة القادمة من الحجاز ، والتي يريد هذا الحجاز بنفسه اليوم التخلص منها ومن أثارها المدمرة ؟

يمكننا أن نفعل ذلك ، ولن يلومنا أحد ، لن يلومنا لا من عاشوا التجربة وبقوا على قيد الحياة ، ولا حتى من رحلوا خلالها أو لكي نكون دقيقين أكثر من قتلوا حينها على يد جماعة ” العدل والاحسان ” ، وابرزهم الشهيد بنعيسى ايت الجيد ، الذي لا زال دمه معلقا بين قبائل تقول ” انه شهيدنا ويجب أن نثأر له ” ، وبين قبيلة تصرخ في وجوههم بكل وقاحة وهي تدافع عن المتهم بقتله ” لن نسلم لكم أخانا “.
لن يلومنا أحد اذا ما فعلنا ذلك ، والأمانة سيكون سهلا أن نقوم بذلك وأن نمضي . لكن الاشكال لن يحل ، والقضية لن تجد طريقها لأي نهاية ..أصعب منها أن نعود الى الحاضر وأن نحل أشكاله المطروح علينا اليوم .

الجماعة التي أصبحت بعد كل سنوات العنف والقتل التي مارستها في الجامعات تقول انها مؤمنة بالسلمية وغير مقتنعة بالسرية ، وأنها تنوي فقط تربية الأجيال المسلمة بكل هدوء وأنها تمد يدها لكل الفضلاء الديموقراطيين لكي يبنوا معها المجتمع الفاضل الذي تسعى اليه وهي تترحم على مرشدها الذي صنع لها فكرة او وهم التجمع عبد السلام ياسين ، ( هاته الجماعة ) لم تعد قائمة …

اليوم الجماعة الموجودة على الأرض تطالب بحقها في أن تحول منازل أعضائها إلى أماكن اجتماعات كبرى سرية ، وفي حال قال القانون ” لا ” ، صرخت بالتشميع والظلم وسايرها الحربائيون في التباري على ما لا نعرفه من مصالح ومسارات …
اليوم الجماعة التي كانت تقول انها تريد الهدوء في المغرب وتعرف معنى الأمن والأمان ، تسطو على كل الحركات الاحتجاجية ، من أكثرها عدلا وشرعية الى أكثرها ابداعا في اللامعقول لكي تقول لمن يريد سماعها ” أنا سأصب زيتي على أي جمرة نار اشتعلت في أي مكان ، لأنني فهمت أن هذه هي الطريقة الوحيدة لكي أنال نصيبي من القسمة ” .

الجماعة ، التي كانت تقول انها تريد التربية فقط ، تريد اليوم بالعربية الواضحة ، ومنذ هبت رياح ذلك الربيع المضحك على العقول الخريفية ان تكون لها الغلبة ، وأن يكون الأمر لمن يقودونها .

اليوم الجماعة تريد الخروج بالمغرب من دائرة الأمان الى جحيم الوباء …
اليوم الجماعة ، والمغرب ملكا وشعبا يحارب جائحة كورونا ، تدعو الى الانتحار الجماعي باسم الله ، و الشروع في قتل الاخرين باسم التضرع الى الرب …
اليوم تبين للمغاربة ان الجماعة تضمر لهم شرا كبيرا ، شرا مغلفا بعديد الأقنعة وأوجه التزييف ..

ان معضلة الأمة الاسلامية تكمن في خضوعها الطوعي لوصاية الفقهاء والشيوخ والدعاة على عقولها وقلوبها ، أي رضيت لنفسها ان تتنازل عن عقلها وتقبل بأن يفكر الشيخ والفقيه نيابة عنها . فهي تسلم بكل ما يقوله الدعاة والشيوخ باسم الدين وترفض اخضاعه للنقد والمراجعة .

والعيب ليس في الأمة ولكن في الأنظمة السياسية التي حكمتها طيلة 14 قرنا الماضية ، والتي حاربت العقل والمنطق والفلسفة ومكنت الفقهاء والشيوخ من عقول وضمائر الناس ، حيث يفضل الشخص استفتاء الفقيه بدل الطبيب .
وشاءت الظروف ان تمتد موجة السلفنة والأخونة لتغزو المغرب وتشغل المواطنين بفتاوى السخافة والشذوذ .

لقد شغل ويشغل هؤلاء الشيوخ والدعاة المواطنين بقضايا سخيفة وتافهة بدل الاهتمام بقيم المواطنة التي تفيد في بناء مواطن سوي متشبع بقيم المواطنة ، ويساهم في البناء والتنمية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *