في خطوة اعتبرها العديد من المراقبين بمثابة “انتقام” من المؤسسات الرقابية التي تسعى لمحاربة الفساد، أقدمت الحكومة على تقليص ميزانية الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة لعام 2025 بنحو 60 مليون درهم، في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2025، الذي لا يزال قيد النقاش في البرلمان. هذا التقليص يعكس، وفقًا لعدد من الفاعلين السياسيين والحقوقيين، توجهًا منهجيًا للحد من فاعلية الهيئة في مكافحة الفساد، وذلك في وقت حرج يشهد فيه المغرب تزايدًا في معدلات الفساد وتفاقم الأزمة الاقتصادية.
وفي تصريح قوي يعكس التوتر المتصاعد في مواجهة الفساد، أكد محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن الحكومة تشن حربًا شاملة ضد كل الآليات والمؤسسات التي تعمل على محاربة الفساد وتعزيز الشفافية في البلاد. واصفا إياها بأنها “حكومة الأوليغارشية المالية والهولدينغ المالي”.
وأشار إلى أن هذه الحملة لا تقتصر على إضعاف دور جمعيات المجتمع المدني، بل تشمل أيضًا الهجوم على الهيئات الدستورية مثل الهيئة الوطنية للنزاهة، عبر تقليص ميزانيتها وعرقلة جهودها في مكافحة الفساد، مما يهدد بمزيد من تعزيز الفساد في الحياة العامة.
وأكد محمد الغلوسي، أن الحكومة تواصل شن حرب ضارية ضد جميع الآليات والمؤسسات التي يمكن أن تساهم ولو بشكل جزئي في مكافحة الفساد وتحسين الحياة العامة. واعتبر الغلوسي في تدوينة له أن هذه الحملة تهدف إلى تهميش أي جهود تهدف إلى تعزيز النزاهة والشفافية.
وأوضح الغلوسي أن هذه الحملة تأتي بعد أن نجح لوبي زواج السلطة بالمال وتضارب المصالح في التضييق على جمعيات المجتمع المدني، مما عرقل قدرتها على ممارسة دورها الدستوري والحقوقي في الإبلاغ عن جرائم نهب المال العام. كما أشار إلى محاولات لوبي الإثراء غير المشروع لتكبيل يد النيابة العامة في تحريك القضايا المتعلقة بهذه الجرائم، بناءً على ما تنص عليه المادة 3 من مشروع المسطرة الجنائية. ولفت الغلوسي إلى أن هذا اللوبي قد انتقل مؤخرًا للهجوم على الهيئة الوطنية للنزاهة.
وفي هذا السياق، أكد رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام،أن الهجوم على الهيئة كمؤسسة دستورية لم يقتصر على تشويه سمعتها فقط، بل امتد إلى محاولة حشرها في زاوية ضيقة في إطار التضامن الحكومي، ما يعمق الممارسات التي تخالف أخلاقيات المرفق العمومي، ويحول هذه المؤسسات إلى وسيلة لخدمة المصالح الخاصة وزيادة الفساد في الحياة العامة. كما أضاف أن هذا التحرك يهدف إلى تحويل الفساد إلى أسلوب جديد لممارسة السلطة.
وأشار إلى أن اللوبي الذي يسعى للتمكين من الإثراء غير المشروع قد تمكن في السابق من تجميد الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، بالإضافة إلى تعطيل اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد التي كانت تشرف على متابعة تنفيذ هذه الإستراتيجية. كما لفت إلى محاولات تهريب مشروع القانون الجنائي الذي يتضمن تجريم الإثراء غير المشروع.
وتابع الغلوسي قائلاً إن لوبي الفساد، مستفيداً من الوضع الراهن، استخدم السلطة والآليات القانونية من أجل “إعادة التربية” لكل من يعارض هذه الممارسات، محاولًا فرض السيطرة على كل من يمكن أن يقف في طريقه. وأضاف أن هذا السلوك يهدف إلى إظهار أن “الدار لأهلها وأسيادها”، في إشارة إلى محاولة وضع القوانين في خدمة المصالح الخاصة.
وفي ذات السياق، أكد رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن هذا اللوبي قد عمد إلى تقليص ميزانية الهيئة الوطنية للنزاهة في السنة المالية 2025 بما يقدر بنحو 60 مليون درهم مقارنة بالسنة السابقة 2024. واعتبر الغلوسي أن هذا التقليص يأتي كرد فعل على تقرير الهيئة الذي كشف عن استنزاف الفساد لما يقارب 50 مليار درهم سنويًا. كما أشار إلى أن الهيئة كانت قد أبدت في تقريرها استياءها من عدم تجاوب الحكومة معها، بالإضافة إلى تجميد عمل اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد.
وفي ختام تدوينته، حذر الغلوسي من أن هذا التمادي في تقليص صلاحيات مؤسسات مكافحة الفساد يتعدى تأثيره على الدولة فقط، بل يمتد ليؤثر على المجتمع بأسره، حيث يسعى الفساد إلى تجريد المجتمع من كل الآليات المدنية والمؤسساتية والقانونية التي من شأنها محاربة الفساد ونهب المال العام. واعتبر أن هذا الوضع يعمق الهوة بين المجتمع والدولة ويؤدي إلى فقدان الثقة في مؤسساتها، مما يعرض مصالح البلاد لخطر حقيقي ويهدد استقرارها.
وات الأوان.