الفساد يصارع الفساد !!!!

علي الغنبوري

مما لا شك فيه ،ان الفساد بلغ مستويات قياسية ببلادنا ، حيث تظهر ملامحه وتجلياته في كل مناحي الحياة اليومية للمغاربة .

و تأكيد هذا الامر لم يعد يحتاج الى كثير من الشروحات و الشهادات ، فالكل اليوم مجمع على وجوده و على خطورته ، فحتى الدولة ، المعنية الاولى به ، لم تعد تجد احراجا بالاعتراف به و بتغلغله في اغلب مؤسساتها و دواليبها .

الاكيد ان الفساد ، هو اخطر المشاكل التي يعاني منها المغرب ، فهو من يحد من تطوره و تقدمه ، وهو من يفشل كل المبادرات و الخطط الاقتصادية و الاجتماعية ، وهو من يهدد استقرار البلاد .

و كما قال الكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هيغو “الرب لم يخلق سوى الماء، لكن الانسان صنع الخمر” ، فالفساد بلادنا لا ينمو و يترعرع لوحده ، بل هناك اسباب و مسببات و اناس كثر يقفون وراءه ، و يسعون لتكريسه كامر واقع ببلادنا .

ومن الوهم و السطحية ، تلخيص الفساد و الفاسدين في مؤسسات الدولة و مرافقها و من يدور في فلكها ، فالفساد يمتد الى ابعد و اعمق من هذا الامر.

و كما قال الكاتب و الصحفي المصري جلال عامر ” الفساد عم البلاد و خالها ” فمشكلتنا في المغرب ، ان حتى من يدعي مناهضة الفساد و يحاربه و “يجاهد ” في فضحه وكشفه ، يحيط به الفساد و يلف ثناياه و تلابيبه من كل الجهات .

فهناك من يعتقد اليوم ، انه يكفي ان لا تتورط في نهب المال العام و ان لا تتحمل المسؤولية داخل مؤسسات الدولة و مرافقها ، لتتحول الى بطل مغوار في النزاهة و الشرف ، و يصبح لك كامل الحق في توزيع صكوك الادانة بالفساد لمن تشاء ، و تنزه و تبرء من تشاء .

الاخطر من الفساد ، هو ان يكون من يدعي التصدي له ، فاسدا و مفسدا ، فحتى و ان نجح في الاطاحة برموز و المسؤولين عن الفساد، فالاكيد انه سيعوضه بفساد اعمق و اخطر منه .

فما معنى الاغتناء من اموال الدعم المقدم لجمعيات المجتمع المدني من المؤسسات الدولية ؟ و ما معنى احتكار العمل المدني ؟ و ما معنى تأسيس جمعيات لا تسنب فيها المسؤوليات الا للابناء و الاقارب ، و ما معنى تأسيس الشركات و مكاتب الدراسات ، و الاستفادة من صفقات الدولة “المشبوهة” ؟ و ما معنى تحويل قضايا الوطن الى مجال للسمسرة و الاستفادة من اموال الدول الاجنبية ؟ و ما معنى الغياب عن العمل العمومي بداعي التفرغ الجمعوي و النقابي و السياسي ؟ و ما معنى ممارسة كل صنوف الاقصاء و التغول داخل اطارك الجمعوي او السياسي او النقابي ؟ و ما معنى تشييد القصور و حياة الترف و انت رسميا لا امكانات مادية لك لذلك؟ و ما معنى استغلال الدين في السياسة و الكذب و الافتراء باسمه، و ما معنى جمع التبرعات و العطايا باسم الدين بدون وجه حق ؟ و ما معنى التفنن في التملص من اداء الضرائب … اليس هذا فسادا ؟

بطبيعة الحال فهذا هو الفساد بعينه ، بل هذا هو اشد و اخطر انواع الفساد، فالنخب التي من المفروض فيها التصدي للفساد ، غارقة فيه و في مزاياه و خيراته ، و هنا استحضر احدى المقولات الشهيرة للاستدلال عن ما يجري في بحر الفساد داخل بلادنا ” فاسدون ضد الفساد، وأغبياء ضد الجهل، ومنحرفون ضد الرذيلة؛ تلك معالم مشهد بات يتكرر بانتظام”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *