أشرف اولاد الفقيه يكتب :المادة 9 من مشروع القانون المالي حق اريد به باطل!!!

أشرف اولاد الفقيه

من اجل المساهمة في النقاش الدائر حول المادة التاسعة من مشروع قانون المالية لسنة 2020 ، يجب الانتباه إلى أن النص القانوني ما هو إلا جزء من نظام قانوني متكامل، ولذلك يجب عند التعليق عليه أن يكون لدينا إلمام معقول بهذا النظام القانوني، فلا يمكن التعليق على نص قانوني بمعزل عن محيطه، لأن ذلك سيؤدي لا محالة الى السطحية وعدم الشمولية، وربما الى عدم فهم الغاية الحقيقة من النصْ وربما إعطاء مفهوم خاطئ له، لهذا يجب عند التعليق على نص قانوني أن نكون ملمين ببقية النصوص التي تتعلق بنفس الموضوع سواء كانت مكملة له أم مخالفة أم تشاركه في نفس الموضوع.

ويجب كذلك أن يكون لدى المعلق إلمام بكيفية تعامل فقه القضاء مع هذا النص وتطبيقاته والإشكاليات التي تدور في فلكه، خصوصا اذا تعلق الأمر بالمال العام والمالية العمومية المادة الأكثر تعقدا وتشعبا.
وعلاقة بالمادة 9 من مشروع قانون المالية احيلكم مباشرة على مرسوم المحاسبة العمومية للجماعات الترابية رقم 2.17.451م الصادر في 4 نوفمبر2017 ولا سيما المواد 9 و109 و 83 و 95 ، والتي انصح جميع المهتمين بالاطلاع عليها ومناقشتها على ضوء المادة التاسعة، والسياقات التي جاءت بها هذه المادة من مشروع قانون المالية 2020 والحكم عليها.

وبالتالي ينبغي ان نبتعد عن النقاش الشعبوي والتسرع في اعطاء الاحكام المسبقة،فالنقاش يحتاج لمقاربة شمولية لمشروع قانون المالية والقوانين المصاحبة له من جهة، و الى إستحضار مجموعة من المبادئ الدستورية والقواعد القانونية من جهة ثانية، من قبيل إلزامية الاحكام النهائية، وسريانها في مواجهة الجميع، استمرارية المرفق العام، والمصلحتين العامة والخاصة.

ومن جهة اخرى يجب استحضار كذلك مبادئ القانون المدني (نظرة الميسرة، وتأجيل الوفاء)، ومقتضيات مرسوم المحاسبة العمومية ومحاسبة الجماعات الترابية، وكذا اكراهات الممارسة العملية في الحجز والتنفيذ على مالية الأشخاص العموميين.

وأخيرا يجب الاخذ بعين الاعتبار مسببات وغايات نزول هذه المادة وهل يمكن إدراجها ضمن مقتضيات مشروع قانون المالية ام لا؟
واي وجهة نظر خارجة عن هذه الأمور قد تكون مبنية على اساس غير سليم.

ومن خلال ما يتبين من خلال النقاش الدائر اليوم حول المادة التاسعة، يمكن اعتبار ان الغرض الحقيقي من اثارت النقاش حول المادة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020 والمتعلقة بالحجز على أموال الإدارة هو الهاء المواطنين وحتى البرلمانيين، والاكتفاء بالنقاش لهذه المادة فقط واغفال نقط اخرى من بينها المادة الخامسة والعديد من المواد الأخرى وكذا « قوانين الفرسان » اي القوانين المرافقة لقانون المالية.
غلى غرار كل سنة تتعمد وزارة المالية لتمرير العديد من النصوص المرفقة لقانون المالية، مستغلة بذلك انشغال العموم والبرلمان بمناقشة حجم الميزانية والأرقام وعدد المناصب المخصصة لكل قطاع وميزانية البلاط الملكي، في حين ان هناك مجموعة من المواد يتم تفادي النقاش حولها.

وهذه التقنية تستخدم في صناعة التشريع والتي من خلالها يتم توجيه الرأي العام والهائه بمناقشة بعض المواد السطحية من اجل تمرير بعض القوانين المثيرة للجدل ومن بينها قانون المالية والنصوص المرتبطة به ونفس الشيء بخصوص النقاش الدائر حول الحريات الفردية.
اذن هي وسيلة من وسائل توجيه الرأي العام بالاهتمام السطحي والثانوي من اجل تمرير مواد اخرى.

وفي الاخير كيف يمكن ان ينص مشروع قانون المالية على عدم امكانية تنيفيذ الاحكام القضائية والحجز على اموال الشخص العام، في حين نجد ان الخطاب الملكي ليوم الجمعة 14 اكتوبر 2016، في افتتاح الدورة الاولى من السنة التشريعية الاولى من الولاية التشريعية العاشرة، الذي جاء فيه  » كما انه من غير المعقول، ا لاتقوم الادارة حتى بتسديد ما بذمتها من ديون للمقاولات الصغرى والمتوسطة، بدل دعمها وتشجيعها، اعتبارا لدورها الهام في التنمية والتشغيل ».

مما يطرح اشكالية ماهية الطبيعة القانونية للخطب الملكية، ودورها في توجيه العمل الحكومي؟

وبدونا سوف ننخرط في هذا النقاش وندلو بدلونا لمناقشة هذه المادة المثيرة للجدل ونياهم قد المستطاع في توضيح كل فقراتها.
فمن بين الملاحظات نجد:

أولها أن الفقرة الأولى من المادة لا تطرح اي اشكال كبير وهي تحمل الأمرين بالصرف مسؤولية تنفيذ الاحكام بدل ان يتم مواجهة المحاسبين بالتنفيذ، وذلك بعد أن لاحظت الدولة ان العديد من حاملي الأحكام يتوجهون للحجز على ميزانية واموال الادارات العمومية بين يدي المحاسبين العمومية، بدل ان يقوموا بمواصلة التنفيذ ضد الأمرين بالصرف.

كما ان التنفيذ والحجز على أموال الدولة والجماعات الترابية بين يدي المحاسبين أصبح يهدد السيولة المالية للدولة، خاصة إذا هم هذا الحجز الحساب البنكي للخزينة الجاري لدى بنك المغرب.

فالدولة من خلال الفقراث الثلاث الأولى تريد أن تحمل الأمرين بالصرف مسؤولية التنفيذ وتقطع على أصحاب الأحكام الباب للجوء إلى التنفيذ بين يدي المحاسبين.

وقد أعطت المادة في فقراتها الثلاث الأولى فرصة للامرين بالصرف للتنفيذ في السنة المالية المعنية او خلال السنوات الموالية، وهو أمر لا مانع قانوني ودستوري فيه فقط ينبغي ان يتم تقييد السلطة التقديرية للإدارة بخصوص عدد السنوات التي يستغرقها التنفيذ لكي لا تطول بشكل يضر بحاملي الاحكام
أما الفقرة الاخيرة فهي الأكثر جدلا والتي جاءت لكي تمنع كليا أي حجز على أموال وممتلكات الدولة، وحتى بوجود هذه الفقرة بالقضاء الإداري المغربي لديه اجتهادات عديدة تقر بإمكانية الحجز على هذه الأموال والممتلكات إذا لم تكن مخصصة للاستعمال المباشر للجمهور وإذا تعلق الأمر بالاملاك الخاصة للدولة.

أما بخصوص أحقية الحكومة في إدراج هذا المقتضى المتعلق بتنفيذ الاحكام ضمن مشروع قانون المالية؟ فهناك رأيان أحدهما يقول ان هذا المقتضى مكانه قانون المسطرة المدنية وليس قانون المالية، وان هذا الأمر الذي اقدمت عليه الحكومة هو عمل غير دستوري ومحاولة لتهريب مقتضيات لا علاقة بقانون المالية ضمن مواد هذا القانون ولهذا الرأي له مبرراته في المبادئ الدستورية.

اما الاتجاه الثاني يعتبر ان هذه المادة لها اثر مالي مباشر على الدولة يتجسد في التكاليف المالية التي يرتبها التنفيذ والتي تتمظهر كنفقات عمومية تخرج من ميزانية الدولة وبالتالي يبقى من حق الحكومة ان تضمنها في مشروع قانون المالية.

بين كل هذين الرأيين، يبقى النقاش مستمرا باستحضار مختلف المبادئ والقواعد الدستورية للحكم على دستورية وقانونية المادة من عدمها.
وهو الأمر الذي ستبدي فيه المحكمة الدستورية رأيها ان أتيحت لها فرصة ذلك وأن تم تمرير هذه المادة بمجلسي البرلمان.

او وكما سبق ان أشرنا اليه ان هذه المادة حق اريد به باطل من خلال توجيه الرأي العام من اجل مناقشة هذه المادة التي في غالب الاحيان سوف يتم التخلي عنها اثناء المناقشة في قبة البرلمان، وستكون الحكومة قد نجحت في توجيه الرأي العام الوطني.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *