هاشتاغ _ الرباط
يشهد نشاط تهريب الكوكايين في إسبانيا توسعًا غير مسبوق، حيث تقف خلفه مجموعة تُعرف بـ”المافيا الألبانية”، التي تضاعف نشاطها في الأعوام الأخيرة.
في نونبر الماضي، تمكنت الشرطة الإسبانية من إحباط أكبر عملية تهريب للكوكايين في تاريخ البلاد، حيث صادرت 13 طنًا من المخدرات في ميناء الجزيرة الخضراء. هذا الإنجاز أتى بعد عام فقط من إحباط شحنة قياسية أخرى بلغ وزنها 9.5 أطنان في ذات الميناء.
وفي تطور لافت، تم خلال الشهر الجاري ضبط شحنات أخرى في مدينة فالنسيا، أحد أهم موانئ دخول الكوكايين إلى أوروبا، حيث تمكنت السلطات من مصادرة 3.5 أطنان، بالإضافة إلى شحنة أخرى وزنها 7.5 أطنان وصلت عبر ميناء فيغو، حيث كانت هذه الكميات الهائلة مخبأة بطرق مبتكرة داخل حاويات تحتوي على الفواكه، التونة المجمدة، وعبوات العصائر، مما يعكس ذكاء التنظيم الألباني وتقدمه في مجال التهريب.
في السنوات الأخيرة، شهدت تجارة الكوكايين تحولًا نوعيًا، حيث لم يكن من المألوف تهريب كميات كبيرة دفعة واحدة. يوضح ألبرتو موراليس، رئيس وحدة مكافحة المخدرات المركزية في الشرطة الإسبانية، أن تهريب 850 كيلوجرامًا كان يُعتبر إنجازًا ضخمًا قبل سنوات قليلة فقط، إلا أن العصابات الألبانية حققت قفزة هائلة في هذا المجال.
نقطة التحول الرئيسية في هذه التجارة، وفقًا لموراليس، كانت في الإكوادور، الدولة التي تقع بين كولومبيا وبيرو، أكبر منتجي الكوكايين في العالم. استغل الألبان موقع الإكوادور لتحويلها إلى مركز لوجستي رئيسي لعملياتهم.
يُشار إلى أن الشرطة الإكوادورية صادرت خلال الشهرين الأولين من عام 2024 فقط نحو 50 طنًا من الكوكايين، وهي كمية لم تكن تُسجل عادةً إلا بحلول منتصف العام. هذه الكميات تشير بوضوح إلى مدى توسع الألبان في تجارة المخدرات عالميًا، لا سيما في أوروبا.
ومنذ عام 2018، بدأت الشرطة الإسبانية بملاحظة ارتباط الألبان بتجارة الكوكايين، عندما تم ضبط مجموعة منهم ومعهم حقيبة تحتوي على 1.5 مليون يورو نقدًا كدفعة مقابل شحنة من المخدرات.
منذ ذلك الحين، ركزت السلطات اهتمامها على هذه العصابات، حيث تبين أن الألبان ينشطون في منطقة ليفانتي الإسبانية، التي تمتد من كتالونيا إلى إقليم فالنسيا. هذه المنطقة أصبحت نقطة التقاء للمجرمين من أوروبا وأمريكا اللاتينية، حيث تُعقد الاجتماعات لتنظيم العمليات.
الألبان، الذين كانوا معروفين سابقًا بجرائم السرقة والعنف، بدأوا في التحول إلى تجارة المخدرات بعد استقرارهم في الإكوادور، مستغلين قربها من أكبر منتجي الكوكايين. هناك، ينظمون عمليات شحن ضخمة إلى أوروبا باستخدام أساليب مبتكرة للتخفي.
في إحدى العمليات، تم ضبطهم ومعهم حقيبة مليئة بالنقود كانت ثقيلة لدرجة أنه بالكاد يمكن رفعها. خلال التحقيقات، أظهرت العصابات الألبانية غطرسة لافتة واعترفت بسهولة بامتلاكها الأموال نتيجة سرقة المستودعات. هذا السلوك كشف عن مدى تنظيمهم وقدرتهم المالية، مما دفع السلطات إلى التركيز بشكل أكبر على نشاطهم.
المافيا الألبانية ليست كيانًا موحدًا، بل هي مجموعة من العشائر التي تعمل بشكل لا مركزي، مما يجعلها أكثر تعقيدًا وصعوبة في الاختراق مقارنة بالمنظمات الإجرامية الأخرى مثل كامورا وكوزا نوسترا الإيطالية.
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط النظام الشيوعي في ألبانيا، بدأت هذه العشائر أولى خطواتها في تهريب الهيروين. لكن قفزتهم الكبرى جاءت خلال حرب البلقان في التسعينيات، حيث استغلوا معرفتهم الجغرافية لضمان مسارات تهريب آمنة عبر مناطق الصراع.
وفي أعقاب حرب كوسوفو عام 1999، استغل الألبان موجة اللاجئين لتوسيع شبكاتهم عالميًا، حيث تمكنوا من بناء علاقات في دول مثل كولومبيا، بيرو، المكسيك، والإكوادور.
الإكوادور، التي تعاني من أزمات سياسية واقتصادية، أصبحت قاعدة عمليات مثالية للألبان. هناك، يعملون بالتنسيق مع عصابات محلية لتوسيع نشاطاتهم دون صدامات كبيرة مع منظمات إجرامية أخرى. هذا التعاون مكّنهم من تقديم خدمات تقلل التكاليف وتزيد الأرباح، مما عزز مكانتهم في السوق العالمية للمخدرات.
يتميز الألبان بسلوكهم الصارم والمنظم، حيث يتحلون بالولاء المطلق لعشائرهم ويتجنبون الخيانة أو الإفصاح عن أسرار تنظيمهم، حتى تحت الضغط أو في السجون. هذا السلوك، إلى جانب المرونة، السرعة، القسوة، والسرية، جعل منهم خصمًا لا يُستهان به في عالم الجريمة المنظمة.
هذه العوامل مجتمعة ساهمت في تعزيز نفوذ المافيا الألبانية، التي تُعرف الآن بـ”كارتل البلقان”. هذا التنظيم، الذي يُعتقد أنه مسؤول عن ثلث الاقتصاد الألباني، أصبح أحد أسرع الكيانات الإجرامية نموًا عالميًا، ما يجعل مواجهته تحديًا كبيرًا للسلطات الدولية.