المغرب على أعتاب تصحيح المسار: خطاب العرش ارتباك السلطة وعودة التوازن السياسي

بقلم: أشرف أولاد الفقيه

شكل خطاب العرش الأخير بمضامينه القوية ونبرته الحازمة لحظة فاصلة في مسار الحياة السياسية المغربية، وأعاد توجيه البوصلة نحو ضرورة تصحيح الاختلالات التي طبعت تدبير الشأن العام خلال السنوات الأخيرة. لم يكن الخطاب مجرد تأكيد على استمرار الأوراش الكبرى، بل جاء كتحذير واضح من استمرار العبث السياسي، وكنفحة أمل في إمكانية استعادة الثقة بين المواطن والدولة.

وفي هذا السياق، جاءت تسريبات “جبروت” لتفجر معطيات صادمة حول علاقات مشبوهة بين السلطة وبعض القيادات الحزبية، وتُعرّي جزءًا من واقع التداخل بين المال والسياسة، وتكشف عمق الهشاشة التي أصابت بعض الأحزاب التي تم تصديرها في مرحلة معينة كواجهة للإصلاح، بينما لم تكن سوى أدوات لضبط التوازنات لا غير.

هذه التسريبات، وما رافقها من صمت رسمي، جاءت متزامنة مع عودة لافتة لأسماء مثل توفيق بوعشرين ومايسة سلامة الناجي، وعودة بعض الوجوه المثيرة إلى الساحة الإعلامية والسياسية، مما يوحي بأن المغرب يدخل مرحلة إعادة ترتيب عميقة، بدأت من الأعلى، وستمتد لتشمل بنية النظام الحزبي برمته.

نهاية زمن “الأحرار” و”البام”؟

من الواضح أن حزبي التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة يعيشان ارتباكًا غير مسبوق، تجلى في ضعف التأطير، غياب النخب، وتراجع ثقة المواطن. فالأحرار، رغم تصدره الانتخابات السابقة، لم ينجح في قيادة حكومة مقنعة، وبات مشغولًا أكثر بتبرير الإخفاقات، فيما يتخبط البام بين مشاكله الداخلية وصراعات أجنحة تُغذيها الحسابات الشخصية أكثر من الاختيارات السياسية.

المغاربة اليوم لم يعودوا يقبلون الأحزاب المُعلبة أو المُصنعة داخل دهاليز السلطة. هناك عطش حقيقي لعرض سياسي متجدد، نابع من المجتمع لا مفروض عليه من فوق.

الكتلة الديمقراطية مطالبة بالعودة

في خضم هذا الانكماش السياسي، تبرز من جديد الكتلة الديمقراطية (الاتحاد الاشتراكي، حزب الاستقلال، التقدم والاشتراكية) كفاعل تاريخي يجب أن يستعيد موقعه الطبيعي.
وإذا كان حزب الاستقلال قد بدأ خطوات إصلاحية هادئة، فإن الاتحاد الاشتراكي مطالب اليوم بإعداد العدة، تنظيميًا وسياسيًا، للعودة بقوة إلى المشهد، ليس فقط كحزب معارض، بل كمكوّن أساسي في بديل ديمقراطي يحترم ذكاء المواطن وكرامته.

لقد أثبتت التجربة أن الأحزاب ذات الامتداد المجتمعي، والشرعية التاريخية، قادرة على التجدد إذا ما توفرت الإرادة، وتم القطع مع الزعامات الفردية ونُخب الريع.

العدالة والتنمية… هل يعود من بعيد؟

في خضم هذه التحولات، تبدو مؤشرات عودة حزب العدالة والتنمية قائمة، رغم الضربة الموجعة التي تلقاها في انتخابات 2021.
فالحزب، رغم كل الانتقادات، ظل مدرسة في التنظيم والتعبئة، ويحتفظ بقاعدة اجتماعية يمكنه استعادتها إذا ما راجع خطابه، وابتعد عن لغة المظلومية، وقدم نقدًا ذاتيًا صريحًا ومسؤولًا.

عودة العدالة والتنمية ليست رغبة عاطفية، بل احتمال منطقي في ظل حالة الفراغ التي تركتها الحكومة الحالية، خاصة في ما يتعلق بقضايا الهوية، والعدالة الاجتماعية، والحضور اليومي في هموم المواطنين.

ما الذي ينتظرنا في 2026؟

التحليل الموضوعي للمشهد يؤكد أننا أمام مرحلة انتقالية قد تتوج في استحقاقات 2026 بظهور خريطة سياسية جديدة، تُعيد التوازن بين مكونات الحقل الحزبي، وتنهي زمن التحكم الانتخابي، وتُخرج المغرب من منطق التعيين المقنّع في السياسة.

لكن هذا لن يتحقق إلا إذا استجابت الأحزاب الوطنية لهذا النداء التاريخي، وانخرطت بجدية في دينامية التجديد، وتخلت عن الانغلاق، وفتحت أبوابها أمام الشباب والكفاءات والنخب الجديدة.

المعركة المقبلة ليست فقط انتخابية، بل معركة من أجل استرجاع المعنى النبيل للسياسة، ومن أجل إعادة بناء الثقة في المؤسسات، وتحصين المكتسبات الديمقراطية.

إذا كان خطاب العرش قد أطلق إشارة البدء في هذا المسار، فإن مسؤولية الأحزاب، والنخب، والمجتمع المدني، أن يواكبوا هذا التوجه، ويقدموا للمغاربة عرضًا سياسيًا حقيقيًا، يرتكز على الكفاءة، والاستحقاق، ونظافة اليد، والقدرة على تقديم الأجوبة لا الشعارات.

2026 لن تكون مجرد محطة انتخابية عادية، بل لحظة للحسم بين من يريد مغربا ديمقراطيا عادلا، ومن لا يزال يراهن على التحكم والتسويق السياسي الفارغ.