علي الغنبوري
لا شك ان التوتر بين المغرب و الجزائر ، يلقي بضلاله على المنطقة برمتها ، و يدخلها في حالة من الانتظارية القاتلة ، و يشوش بشكل كبير على مستقبلها ، ويعرقل فرص التكامل و التعاون الاقتصادي بين عدد من دول هذه المنطقة الاستراتيجية جغرافيا ، مما ينعكس بشكل مباشر على المستوى الاجتماعي لشعوبها .
توتر يرجع بالاساس ، الى حسابات جيوسياسية و عقائدية تظهر بشكل اقوى لدى حكام الجزائر ، و نظامهم العسكري المأزوم ، و الفاقد للشرعية الشعبية ، و الباحث عن حل يعيد له التوازن السياسي الداخلي ، و يعطيه جرعة جديدة من الثقة الشعبية ، تمكنه من الاستمرار في قيادة البلاد و التحكم في مصير شعبها .
و اذا كانت جذور هذا التوتر ممتدة على طول تاريخ البلدين و صراعاتهما المتواصلة ، فإن النقطة التي اججت هذا التوتر ، هو تمكن المغرب من حسم ميزان الربح الجيوستراتيجي لصالحه ، من خلال تأمينه لمعبر الكركرات و طرد ميليشيا البوليساريو من حدود عمقه الافريقي ، و فرضه لواقع جغرافي جديد ، يتحكم هو لوحده في كل تفاصيله، و قدرته على حشد الدعم الدولي لهذا الواقع الجديد.
إدراك الجزائر لعمق ما قام به المغرب ، و انعكاسه المباشر على التوجهات العقائدية لنظامها العسكري ، و فقدانها لاي تأثير على الارض لصنيعتها البوليساريو كورقة ضغط على المغرب ، ستجعلها تدخل في توتر مفتوح مع المغرب ، بطموحات عسكرية معلنة .
الجزائر وامام الامر الواقع الجديد الذي فرضه المغرب ، جعلها تظهر للعلن ، و تسقط من يديها البوليساريو ، كمعني مباشر بالصراع مع المغرب ، و هو ما يشكل انتصار قوي للمغرب في ملف الصحراء ، فهو ظل لسنوات طويلة يشير إلى الجزائر كمسؤول اول عن هذا النزاع ، و يدعوها امام المنتظم الدولي الى الظهور للعلن و عدم الاختباء و راء البوليساريو ، و هو ما تحقق اليوم ، و هو ما بات يدركه المنتظم الدولي .
حنق الجزائر اتجاه المغرب غير بعيد عن بعض القوى الإقليمية الأوروبية ، التي تتقاطع مصالحها مع الوضع القديم في المنطقة ، الذي تجاوزه المغرب ، بخروجه عن قواعد اللعبة التي تفرضها هذه الدول داخل المنطقة ، و ذلك عبر إدراك المغرب للتغيرات الكبيرة التي طرأت على المنطقة ، والضعف الذي بات ينخر هذه الدول ، و اتجاهه لبناء علاقات موضوعية مع قوى عالمية أكثر قوة و اكثر اقتناعا بالطرح المغربي .
تحرش الجزائر بالمغرب ، و اتخادها لخطوات تصعيدية متواصلة اتجاهه، قابله المغرب باستراتيجية مسؤولة و واقعية ، تعتمد اولا ، على التجاهل التام للجزائر و لتصريحات مسؤوليها العدائية ، و استمراره في تعزيز و تحصين مكتسباته على الارض ، وثانيا عبر تكثيف استعداداته العسكرية و تنمية قدرات جيشه ، عبر شركات نوعية و قوية مع قوى دولية متعددة .
استراتيجية المغرب الجديدة في إدارة النزاع مع الجزائر ، ظهرت جليا مباشرة بعد تأمين معبر الكركرات ، و هو ما عبر عنه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في احدى ندواته الصحفية ” المغرب يسعى الى السلم و الهدوء على حدود الصحراء المغربية ، لكنه سيتعامل بالحزم الشديد مع اي استهداف يواجهه” .
حزم المغرب في التعاطي مع التهديدات العسكرية التي تستهدفه ، ستظهر قوته مع تعاطيه الفعال مع مليشيات جبهة البوليساريو ، شرق الجدار العازل ، حيث استطاع المغرب تحييد اي تهديد لمقاتلي هذه المنظمة ، و شل اي تحرك لعناصرها في المنطقة العازلة ، بامكانيات عسكرية جد متطورة و قوية ، كشفت التطورات الهائلة التي عرفها الجيش المغربي القدرات الجديدة التي بات يتمتع بها .
تعاطي المغرب مع التوتر المصطنع من طرف الجزائر ، ينطلق من عقيدة المغرب السلمية ، و بحثه عن المستقبل المشرق لشعوب المنطقة في إطار التكامل و التعايش ، و تعززه كذلك قدرته على تجاوز اي تهديد يستهدفه ، انطلاقا من قوته العسكرية الكبيرة و تماسك و وحدة جبهته الداخلية، و احترامه المسؤول للشرعية الدولية .