يشكل الأمن المغربي اليوم نموذجًا يحتذى به على الصعيدين الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب، بفضل استراتيجياته الاستباقية التي أثبتت فعاليتها في إحباط المخططات الإرهابية قبل تنفيذها. فمع تصاعد التهديدات الإرهابية العابرة للحدود، باتت المملكة تعتمد على مقاربة متكاملة تجمع بين العمل الاستخباراتي الدقيق، والتنسيق المحكم بين مختلف الأجهزة الأمنية، إلى جانب الاستخدام المتقدم للتكنولوجيا الحديثة في رصد وتتبع الشبكات المتطرفة.
وكشفت العملية الأخيرة التي نفذها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، عن خلية إرهابية خطيرة مرتبطة بتنظيم داعش، لم يكن هدفها فقط تنفيذ هجمات دموية، بل كانت تعمل أيضًا على تأسيس قاعدة خلفية للدعم اللوجيستيكي بالأسلحة والذخير، حيث إن نجاح هذه العملية لم يقتصر على تفكيك الخلية، بل امتد إلى ضبط ترسانة من الأسلحة الحربية، مما يعكس مدى اليقظة الأمنية التي يتمتع بها المغرب في مواجهة الإرهاب الدولي.
وما يميز النهج المغربي في هذا المجال هو اعتماده على مقاربة تحليلية دقيقة، تمزج بين المعلومات الميدانية والمعطيات التقنية، حيث تم تحديد موقع الأسلحة المخزنة باستخدام تقنيات متطورة، بما في ذلك عمليات تحديد المواقع عبر الأقمار الاصطناعية، مما مكّن السلطات من التدخل في منطقة وعرة بإقليم الرشيدية. هذا التطور في الأدوات والتكتيكات الأمنية يؤكد أن المغرب بات نموذجًا يُدرّس في كيفية التعامل مع الجماعات الإرهابية في المناطق الصعبة والمعقدة جغرافيًا.
إضافة إلى القدرات الاستخباراتية، أظهرت هذه العملية مستوىً متقدماً من التنسيق الأمني، حيث تم تسخير موارد متطورة مثل الكلاب البوليسية المدربة، وأجهزة كشف المعادن، وأنظمة المسح بالأشعة السينية، إلى جانب روبوتات متخصصة في رصد المتفجرات، حيث أن كل هذه الأدوات الحديثة مكّنت الأجهزة الأمنية من تنفيذ عملية دقيقة، قلّصت المخاطر وأحبطت مخططًا إرهابيًا كان يمكن أن يزعزع الاستقرار في المملكة.
وتؤكد نتائج التحقيقات أن الأسلحة والذخيرة المضبوطة تم تهريبها من منطقة الساحل بتنسيق مباشر مع قيادات داعش، وهو ما يعزز من فرضية التهديدات المتزايدة القادمة من بؤر التوتر في إفريقيا، حيث تضع هذه المعطيات المغرب أمام تحديات متجددة تتطلب يقظة أمنية دائمة واستراتيجيات مرنة تتكيف مع طبيعة التهديدات المتغيرة، خاصة في ظل تزايد نشاط الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.
وما يجعل التجربة المغربية في مكافحة الإرهاب فريدة من نوعها هو أنها لا تقتصر على الحلول الأمنية فقط، بل تعتمد أيضًا على مقاربة شاملة تشمل الأبعاد الفكرية، الدينية، والاجتماعية. فإلى جانب العمل الميداني، تعمل السلطات على تفكيك الفكر المتطرف عبر سياسات تعليمية ودينية ترسّخ قيم الاعتدال والتسامح، فضلاً عن تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعلومات الاستخباراتية حول تحركات الجماعات الإرهابية.
إن استمرار المغرب في هذا النهج الاستباقي والمتكامل يعزز مناعته الأمنية، ويؤهله للبقاء في طليعة الدول التي تكافح الإرهاب بفعالية وكفاءة.
كما أن إشادة الدول الكبرى بأداء الأجهزة الأمنية المغربية ليست محض صدفة، بل هي ثمرة عقود من العمل الجاد والتحديث المستمر للمنظومة الأمنية.
ومع تزايد التهديدات القادمة من منطقة الساحل، يظل المغرب صخرة صلبة في مواجهة الإرهاب، مستندًا إلى استراتيجية أثبتت نجاحها مرارًا وتكرارًا، وجعلت منه نموذجًا عالميًا في التصدي للتهديدات الإرهابية قبل وقوعها.