المغرب يصنع التاريخ.. نحو أول طائرة متكاملة بحلول 2030!

هاشتاغ _ الرباط

خلال العقدين الأخيرين، أثبت المغرب قدرته على التحول إلى قوة صناعية في مجال الطيران، محققًا إنجازات استثنائية جعلته يحتل موقع الصدارة إفريقيًا وينافس بقوة على المستوى الدولي.

فبفضل رؤية استباقية ودعم استثماري مدروس، تمكنت المملكة من التحول من مجرد مساهم صغير في الصناعة إلى قاعدة صناعية متكاملة يُعتمد عليها لتلبية متطلبات عمالقة الطيران العالميين.

ومع هذا الزخم، بات حلم تصنيع طائرة متكاملة “صنع في المغرب” بحلول عام 2030 قريب المنال، مدعومًا بإنجازات كبرى وضعتها المملكة على طريق المنافسة العالمية.

وسجل قطاع الطيران في المغرب، الذي أصبح أكبر مصدر للمعدات الجوية في إفريقيا، نموًا بنسبة 3.8% خلال عام 2023، وبلغت قيمة صادراته 21.864 مليار درهم بحلول أكتوبر 2024، بمعدل نمو سنوي بلغ 17.3%.

اليوم، يوفر القطاع أكثر من 23,000 وظيفة مؤهلة، مع نسبة إدماج محلي تصل إلى 42%. هذا الأداء المتميز جاء رغم التحديات الاقتصادية العالمية والضغوط التي فرضتها الأزمات الدولية على الأسواق والصناعات المختلفة.

سر نجاح المغرب في قطاع الطيران يعود إلى مزيج من العوامل الرئيسية، أولها البيئة الاستثمارية الجاذبة التي وفرتها المملكة، والتي جعلت شركات عملاقة مثل “بوينغ”، “إيرباص”، و”بومباردييه” تؤسس مصانع ومراكز هندسية في المغرب.

إلى جانب ذلك، استفاد المغرب من موقعه الاستراتيجي كبوابة بين أوروبا وإفريقيا ومن استقراره السياسي والاقتصادي لتعزيز جاذبيته لدى المستثمرين. الشراكات الدولية التي أقامها المغرب، بما في ذلك اتفاقيات التعاون مع عمالقة الطيران، ساهمت بدورها في بناء قاعدة صناعية متطورة تتماشى مع المعايير العالمية.

ومن بين أبرز إنجازات المغرب في هذا المجال، تصنيع أكثر من 40 مكونًا رئيسيًا للطائرات، من بينها مكونات حساسة لا تُصنع إلا في عدد محدود جدًا من الدول. يشمل ذلك تصنيع أجزاء المحركات، المواد المركبة، توصيلات الأسلاك، وتركيب أجزاء من هياكل الطائرات.

كما نجحت المملكة في تطوير مناطق صناعية متخصصة، مثل المنطقة الصناعية “ميدبارك”، التي أصبحت مركزًا لاستقطاب كبرى الشركات وتوفير بيئة عمل تنافسية تسهم في تسريع عجلة الابتكار والإنتاج.

وعلى مستوى التكوين، تبنى المغرب استراتيجية طويلة الأمد لتطوير الكفاءات المحلية من خلال إنشاء معاهد متخصصة، مثل معهد مهن الطيران في الدار البيضاء، الذي يعمل على إعداد الموارد البشرية المؤهلة وفق أحدث المعايير الدولية.

هذا النهج ساعد في بناء جيل جديد من المهندسين والتقنيين القادرين على العمل في المشاريع الصناعية الكبرى، مما عزز من تنافسية القطاع على المستويين الإقليمي والدولي.

وتواصل المملكة مسارها التصاعدي من خلال الاستثمار في التقنيات الحديثة، مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والرقمنة، التي تمثل مستقبل صناعة الطيران العالمية.

كما تعمل على تعزيز الاستدامة في القطاع عبر تطوير حلول مبتكرة تقلل من انبعاثات الكربون وتعزز كفاءة الإنتاج، مما يعكس رؤية المملكة لتحويل التحديات البيئية إلى فرص للنمو والابتكار.

وعلى الرغم من أن قطاع الطيران المغربي لا يزال يشكل نسبة صغيرة مقارنة بصناعات كبرى مثل السيارات، إلا أن النمو المطرد الذي يحققه يشير إلى إمكانات واعدة تجعل المغرب مرشحًا للعب دور أكبر في السوق العالمية.

التوجه المستقبلي للمملكة لا يقتصر على تعزيز الإنتاج فقط، بل يمتد إلى تحقيق قفزة نوعية تتمثل في تصنيع طائرة متكاملة بحلول عام 2030. هذا الطموح يعكس رؤية المغرب لتحويل نفسه إلى مركز صناعي دولي، قادر على تلبية احتياجات السوق العالمية والمساهمة بشكل كبير في سلاسل التوريد الدولية.

واليوم، يثبت المغرب أن الطموح المقترن بالرؤية والعمل الجاد يمكن أن يحول الحلم إلى حقيقة. ومع استمرار الجهود لتعزيز تنافسية القطاع وتوسيع نطاق الشراكات الدولية، يبقى هدف تصنيع طائرة متكاملة “صنع في المغرب” شاهدًا على طموح المملكة لإحداث تغيير جذري في المشهد الصناعي العالمي.

بهذا الإيقاع، لن يكون المغرب مجرد شريك إقليمي في صناعة الطيران، بل قوة عالمية تُحسب لها ألف حساب.