
في مشهد يعكس عمق الشراكة الأمنية والسياسية بين الرباط وباماكو، أعلنت حكومة جمهورية مالي عن تحرير أربعة سائقي شاحنات مغاربة، جرى اختطافهم في 18 يناير 2025 شمال شرق بوركينا فاسو قرب الحدود مع النيجر، من طرف جماعة “الدولة الإسلامية في ولاية الساحل”، أحد أخطر التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود في المنطقة.
بيان الحكومة المالية، الذي بثته القناة الرسمية، أشار بوضوح إلى أن هذه العملية تمت بنجاح بفضل التنسيق الوثيق بين الوكالة الوطنية لأمن الدولة في مالي والمديرية العامة للدراسات والمستندات المغربية، في تحرك استخباراتي مشترك اتسم بالحزم والاحترافية، منذ اللحظة الأولى للاختطاف.
بعيدًا عن الطابع الإخباري، تكرس هذه العملية نموذجًا متميزًا للتعاون السيادي بين المغرب ومالي، قائم على الثقة المتبادلة والنجاعة المؤسسية، ويؤكد أن العلاقات المغربية الإفريقية تجاوزت مرحلة التصريحات البروتوكولية إلى شراكة فعلية تصون الأرواح وتُعلي من قيمة التنسيق الأمني كركيزة للاستقرار.
إن اختيار مالي، في ظرف دقيق وحساس، الانفتاح على الرباط في ملف بالغ التعقيد كملف الإرهاب، يعكس إدراكًا سياسيًا بأن المغرب يملك من أدوات القوة الاستخباراتية والخبرة الميدانية ما يُؤهله ليكون شريكًا موثوقًا، لا يزايد ولا يهيمن، بل يلتزم، ويتحرك ضمن منطق التضامن السيادي المسؤول.
كما أن هذا الإنجاز يعكس مرة أخرى قدرة المملكة، بقيادة الملك محمد السادس، على حماية مواطنيها خارج الحدود، عبر مؤسساتها الأمنية التي أثبتت مرارًا أنها ركيزة مركزية في صيانة الأمن القومي، ومُكون حيوي في معادلة الاستقرار الإقليمي.
وفي الوقت الذي تسود فيه حالة من التردد الدولي في مواكبة دول الساحل في معركتها ضد الإرهاب، يبرز المغرب كصوت إفريقي مستقل، يتحرك في صمت وفاعلية، ويدعم من منطق الشراكة لا الإملاء، ويُعيد بناء الثقة مع جيرانه على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
الرسالة السياسية والأمنية العميقة التي تحملها عملية تحرير السائقين المغاربة، لا تكمن فقط في دقة العملية ونهايتها السعيدة، بل في دلالاتها السيادية: فحين تلتقي الإرادات الجادة، وتتقاطع المصالح النبيلة، يصبح التضامن أكثر من شعار، ويغدو الأمن المشترك حقيقة ميدانية تعززها مؤسسات، وتصوغها رؤى، وتحتضنها شعوب تعرف أن إفريقيا قادرة على صناعة حلولها بنفسها.
