المغرب ينتصر مرتين والجزائر تنهزم مرتين يوم 31 أكتوبر والملك يحول الغاز إلى ورقة سيادة ويُسقط أوهام المرادية في الصحراء المغربية

هاشتاغ

بعد أربع سنوات من قرارها المتهور بإغلاق أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، تجد الجزائر نفسها اليوم في عزلة سياسية واقتصادية خانقة، بينما يحقق المغرب انتصارا مزدوجا قل نظيره: في مجلس الأمن الذي تبنّى قرارا تاريخيا يرسخ مغربية الصحراء، وفي معركة الطاقة التي حاولت الجزائر تحويلها إلى سلاح سياسي ضد الرباط، فانقلبت عليها فكانت هي الخاسر الأكبر.

ففي أكتوبر 2021، عندما قررت الجزائر وقف ضخ الغاز عبر الأنبوب الذي يربطها بإسبانيا مرورا بالمغرب، كانت تعتقد أنها تُضرب الاقتصاد المغربي في مقتل، غير أن ما حدث هو العكس تماما، حيث أن المملكة لم تتأثر إلا قليلا، فحولت الأزمة إلى درس في السيادة الطاقية والذكاء الاستراتيجي، إذ أنه في غضون شهور قليلة، أعاد المغرب تشغيل الأنبوب في الاتجاه المعاكس، مستوردا الغاز من أوروبا وروسيا بعد إعادة تغويزه، دون أن تهتز المنظومة الطاقية الوطنية أو تتأثر الخدمات الحيوية.

وهنا، لا يمكن الحديث عن هذا النجاح الطاقي دون الإشارة إلى الدور المحوري الذي اضطلعت به وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، التي جسّدت على أرض الواقع الرؤية الملكية في ضمان الأمن الطاقي الوطني، حيث أنه بفضل كفاءتها وحسن تدبيرها، تمكنت المملكة من تأمين حاجياتها من الغاز في ظرفية دولية استثنائية، وضمان استمرارية الإنتاج الكهربائي دون انقطاع، مع تسريع مشاريع الطاقات المتجددة والتحول نحو نموذج طاقي مستدام.

وقد اشتغلت الوزيرة، بتوجيهات ملكية سامية، على تنزيل استراتيجية متكاملة جعلت من المغرب نموذجا إفريقيا في المرونة الطاقية والسيادة المستقلة عن الضغوط الخارجية.

وقد ظنَّ حكام قصر المرادية أنهم بمعاقبة المغرب سيُرهبونه، لكنهم في الحقيقة عاقبوا أنفسهم، حيث أنهم أوقفوا مصدرا مهما من العملة الصعبة، وقطعوا طريقا استراتيجيا كان يُؤمّن حضورهم في السوق الأوروبية، في لحظة كانت فيها القارة العجوز تبحث عن بدائل للغاز الروسي، وهو القرار الكارثي الذي عرّى سوء تقدير سياسي فادح، وأثبت أن النظام الجزائري لا يملك رؤية اقتصادية أو بعدا استراتيجيا، بل يُسيّره منطق الحقد والعداء الأعمى تجاه المغرب.

وفي المقابل، اختار المغرب الهدوء والثقة بالنفس، حيث أن الملك محمد السادس لم يردّ على الخطوات الاستفزازية بالتصعيد، بل بالعمل الهادئ والفعّال.

وبينما كانت الجزائر تُغلق، كان المغرب يفتح. وبينما كانت الجزائر تزرع العداء، كان المغرب يزرع التنمية.

وها هو اليوم يحصد ثمار تلك الرؤية الملكية المتبصّرة في قرار أممي غير مسبوق يُكرّس مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وذلك بعد أربع سنوات بالتمام والكمال من القرار الجزائري المتهور، وبعد 50 سنة من الصبر والنضال والكفاح المغربي.

وبالتالي، فإن قرار مجلس الأمن رقم 2797، الذي صوّتت لصالحه 11 دولة وامتنعت ثلاث دون اعتراض من أي عضو دائم، جاء ليقطع الشك باليقين: لا وجود لاستفتاء، لا وجود لخطابات “تقرير المصير” القديمة، هناك حل واحد واقعي وشرعي هو الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

أما الجزائر، فبدت في مجلس الأمن بلا صوت ولا سند. لم تشارك في التصويت، لم تؤثر، ولم يسمع أحد احتجاجاتها المعتادة، وأصبحت اليوم رمزت للانغلاق والعزلة، ولم تعد تملك حتى حرية تقرير مصيرها الاقتصادي والسياسي، بعد أن صارت رهينة أوهامها الداخلية.

وفي المقابل، تواصل الأقاليم الجنوبية للمملكة صعودها كأحد أنجح النماذج التنموية في إفريقيا. مشاريع كبرى ترى النور: ميناء الداخلة الأطلسي الذي سيجعل الصحراء المغربية بوابة للتجارة القارية، أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب الذي سيحول المملكة إلى مركز طاقي إفريقي، ومحطات الطاقة المتجددة التي ستجعل من الجنوب رافعة خضراء للمغرب بأسره.

فلم يُبالغ الملك محمد السادس، الذي وصف هذه المرحلة بـ“الفاصلة”، في ذلك الوصف. فهناك حقا ما قبل 31 أكتوبر 2025 وما بعده، إذ أنه قبل هذا التاريخ، كانت بعض الدول تتردد، وبعض الأصوات تساوي بين الحق والباطل.

ولم يعد للمزايدات الجزائرية مكان في الخطاب الدولي، حيث أن النظام في الجزائر فقد حججه ومصداقيته، لأنه اختار العداء بدل التنمية، والمواجهة بدل التعاون، وحتى سلاح الغاز الذي كان يظنه ورقته الأخيرة سقط من يده، بعد أن أثبت المغرب أنه قادر على الاستغناء عنه وتطوير بدائل أكثر استدامة وشفافية.

لقد كتب الملك محمد السادس فصلاً جديدًا من فصول الدبلوماسية الذكية، دبلوماسية تصنع الحقائق، وترد بالفعل، لتبرهن للعالم أن الحلم المغربي لا يُهزم، وأن من يضع يده في يد المستقبل لا يخشى من ظلال الماضي.