المقاطعة وتداعيات الانتقال من الافتراضي إلى الواقعي

سعيد بنيس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس

في مسألة تداعيات الانتقال من الإفتراضي للواقعي يطرح السؤال التالي : هل سيتم الوعي والانخراط في السياسي والمجتمعي عبر الانتقال من الواقعي للافتراضي؟ فالافتراضي له منطقه وله دينامياته فقد ابتدأت المقاطعة مشخصنة لتنتقل إلى الشركات لتركزعلى منظومة اقتصادية تحت مسميات عديدة من قبيل الاحتكار الاقتصادي والزيادة في الأثمنة…

فالمقاطعة الافتراضية تمثل جيلا جديدا من الاحتجاج الشبابي بالمغرب أدت إلى فرملة وتحييد الوساطة السياسية والمدنية وظهور هويات جديدة : « مْدَاوِيخْ » وَنَفْتَخِر ! وهي ذات طبيعة مختلفة عن الهويات الطبيعية فهي هويات مكتسبة انتجها سياق المقاطعة وتم احتضانها وتطويرها بل المرافعة عنها من طرف المواطنين الافتراضيين.

فتم المرور الافتراضي من مقولة « التمغربيت » إلى مقولة « المداويخ »من خلال التحول من مجتمع التواصل (Communicating people) إلى مجتمع الاتصال (Connecting people).

« فالمداويخ » أفراد متصلون همهم تشارك متن بارودي (Parodie ) ومحتوى افتراضي متعدد الوسائط : شعارات، أغاني، رسوم، كاريكاتيرات، فيديوهات، طرولز، صور حية، فيديوهات مباشرة ووصلات فنية محضرة بشكل يسائل الذكاء الجماعي للمغاربة للبرهنة على أن فعل المقاطعة الافتراضي صار هو الضامن لاستمرارية فعل المقاطعة الواقعي. فتحولت المقاطعة إلى آلية للممانعة والتعبئة وبالتالي الضغط والتأثير مما مكن الحراك الرقمي من تجاوز جميع البنيات السياسية والمدنية وإعادة تصويب الحراك الاجتماعي. كما أن السبب المباشر في كون المقاطعة أضحت وسيلة جامعة ومأطرة هو تواري اصحابها الى الوراء وتجاوزهم وتملكها من طرف جماهير « المكنوكطيين ».

من هذه الزاوية أتاح الافتراضي الفرصة لعدم المواجهة المباشرة لجماهير « المكنوكطيين » مع السلطات على أرضية الواقع (معترك الآخر) وتجنب الأعراض الجانبية (Collateral Damage) من قبيل العنف والاعتقال. فاختيار الافتراضي هو استدراج للآخر أو الخصم المفترض لمعترك لا قبل له به وهو معترك خبر الافتراضيون « المداويخ » أعماقه وتلاوينه. فتعدى الأثر الاحتجاجي للمقاطعة جميع البنيات المأطرة للاحتجاج (الأحزاب السياسية – المجتمع المدني – النقابات – القادة الميدانيون – التنسيقيات… ) والمفترض فيها التفاوض مع الأقطاب الاقتصادية والفاعلين المؤسساتيين لإيجاد الحلول والتوافقات الممكنة لا سيما أن مسألة المقاطعة ترتبط أيضا بإشكالية توزيع الثروات لا سيما منها الطبيعية.

وما يشكل العائق الأساسي للحوار هو انتفاء المحاور على أساس أن المقاطعة يتحكم فيها موقف مجتمعي وليس هيأة أو ريادة معينة. فالعمق التفاوضي للمقاطعة يكمن في رمزيتها وجرأتها على تحدي السلطة السياسية والاقتصادية. وبما أن قوة المقاطعة تتمثل في كونها لا تتعلق بتضليل افتراضي أو أخبار كاذبة أو زائفة (Fake news) خلق منها نوعا جديدا من التنشئة الافتراضية الذي يتأسس على يقظة رقمية لا سيما في ترصدها لثقافة وخطاب الكراهية وغرس وترسيخ سلوك الممانعة والاستغناء والانجرار نحو المواجهة المباشرة مع « الخصم المفترض ».

لهذا من المستحب مقاربة « فعل » المقاطعة على أساس أنه يشكل تحدي لمنظومة العيش المشترك والتماسك الاجتماعي وليس فقط مسألة ترتبط بأفق رهانات وتداعيات الأرباح أوالعائدات أو الخسائر الاقتصادية أوتراجع الأسهم.

فالفايسبوك كموقع للحراك الرقمي بالمغرب صار موقعا لمقاومة خطاب الاستهلاك بل ومحاربته عبر سلوك المقاطعة والمطالبة بتفعيل وتسريع السياسات العمومية (في الحالة الراهنة على سبيل المثال تفعيل مجلس المنافسة والمجلس الوطني للاستهلاك) والضغط على تصويب تفاعلات المسؤولين حيث تم الاعتذار على مفردات « الخيانة » و »القطيع » ومازال وصم « المداويخ » قائما لعدم الاستجابة لطلبات الاعتذار. هل هذا التأخر في التعبير عن الاعتذار سيقوي فعل المقاطعة أم سيوقفه ؟ بل يبدو أن تأخر الاعتذار عن لفظة « المداويخ » دفع بعض المقاطعين إلى تدويل المسألة من خلال إطلاق عريضة دولية عبر موقع « أفاز » ومطالبة المؤسسة الملكية بإعفاء المسؤول الحكومي الذي وصف المقاطعين ب »المداويخ ».

وأمام بطء التفاعل الرسمي مع المقاطعة وعدم فاعليته هل يمكن ان نستشرف « تسونامي مقاطعة » افتراضية ايهم منتوجات وحقول عدة قد تؤدي إلى شلل اجتماعي أم سيكون لحلول شهر رمضان تأثير على وثيرة ووهج المقاطعة؟

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *