مولاي العربي أحمد
أطلق المكتب الوطني المغربي للسياحة صفقة دولية مفتوحة رقم DA/11/25، رصد لها غلاف مالي بلغ 37.362.000 درهم، أي ما يتجاوز 3.7 مليار سنتيم، وذلك من أجل إنتاج أو إنتاج مشترك لمحتويات رقمية مخصصة للترويج للسياحة المغربية على شبكات التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية التابعة للمكتب.
تشمل الصفقة مهامًا مثل: إعداد خطط وجدولة النشر، إنتاج فيديوهات وصور رقمية، التعامل مع المؤثرين، إدارة الحسابات، والرد على التعليقات. وهي مهام تصنف في خانة “العمليات اليومية الروتينية” في أي وحدة تواصل رقمية داخلية، يمكن إنجازها بسهولة من طرف فريق مصغر من الشباب المكوّن أو الموظف، وبتكلفة لا تتجاوز 20 إلى 30% من المبلغ المعلن.
في مقارنة مباشرة، لا تتجاوز كلفة إنتاج المحتوى الرقمي المشابه — بنفس الجودة والمخرجات — في السوق المغربي ما بين 10 إلى 12 مليون درهم في أقصى الحالات، بينما تصل في دول أوروبية كفرنسا أو إسبانيا إلى ما بين 2.5 و5 ملايين يورو، مع العلم أن تكلفة الموارد البشرية والتقنية هناك أعلى بكثير.
فأين صرف الفرق؟ ولماذا يتجه المكتب إلى التعاقد الخارجي بهذا الحجم؟ وهل نحن أمام خدمة رقمية، أم غطاء رقمي لتبرير تحويل ميزانيات ضخمة بشكل غير عقلاني؟
المكتب الوطني المغربي للسياحة ليس مؤسسة وليدة الأمس، بل يضم هيئات وهيكلاً داخليًا متكاملاً، من إدارات وأقسام مكلفة بالتسويق والتواصل الرقمي، كما يُوظّف سنويًا عشرات الأطر ويُكوّنهم لأداء هذه المهام. لكن الواقع يكشف أن هذه الموارد لا تؤدي ما خُلقت له، ويتم تهميشها بشكل غير مفهوم لصالح مقاولات وشركات تتلقى “المهام السهلة” مغلفة بلغة التخصص والاحتراف.
الأخطر، أن تبرير الصفقة بما يسمى “التوجه الرقمي” ليس سوى غطاء لتفويت مهام لا تتطلب لا تقنيات متطورة ولا ابتكارًا حقيقيًا. فيديوهات عمودية، صور ترويجية، تفاعل على فيسبوك وإنستغرام… هذه أدوات يومية في يد أي صانع محتوى مغربي مستقل، يعمل من بيته وبموارد محدودة. فكيف تُقدّر هذه المهام بثلاثة عشر مرة ضعف كلفتها الفعلية؟
الأسئلة الحقيقية التي ينبغي على المسؤولين داخل المكتب الإجابة عنها هي التالية:
لماذا يتم تكوين الموارد البشرية إذا لم يتم استثمارها؟
لماذا لا يُنجز هذا العمل داخليًا رغم أنه ضمن المهام الأساسية للمؤسسة؟
أين هي الحكامة في صرف المال العام؟ وأين هي المحاسبة بعد صرف هذا المبلغ الهائل؟
ما حدث ليس مجرد صفقة، بل نموذج صارخ لإفشال الإدارة من الداخل، بتهميش الطاقات والاعتماد المفرط على حلول خارجية مكلفة، لا تضيف أي قيمة نوعية، بقدر ما تُجهز على ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.
إن مؤسسة بهذا الحجم والمهام، إذا لم تكن قادرة على إنتاج محتوى تواصلي داخلي، فوجودها نفسه يصبح موضوع مساءلة.
وإذا لم تتم محاسبة مثل هذه الصفقات، فستبقى لغة الرقمنة مجرد غلاف ناعم لتمرير الصفقات تحت غطاء الحداثة، والتسويق، والانفتاح.