المكي الحنودي رئيس جماعة لوطا باقليم الحسيمة.
لا مجال للمقارنة بين اليوم وما تم خلال القرن 15 الميلادي وقبله وبعده من تحويل للمساجد الى كنائس في بعض البلاد بعد فشل الخلافة الاسلامية وانحسارها هناك ، فقد كان الدين متحكما في سياسات الدول ومحركا اساسيا لحروب وغزوات كبدت الانسانية فواجع ونكبات .
يجب إعمال مقارنات للأوضاع الحديثة ، فلم يثبت في التاريخ الاستعماري الحديث ان تم إغلاق المساجد او تخريبها بالبلاد الاسلامية المستعمرة (الا نادرا جدا ، ولا يمكن القياس على الاستثناء) ، بل عكس ذلك كان هناك احترام للجانب الديني ومساعدة على بناء مساجد جديدة . كما ان البلدان المسلمة المستقلة حديثا حافظت على وجود كنائس (كنسية وكنيس) وضمنت حق ولوجها للمسيحيين واليهود المقيمين وعملت على فتح المجال لترميمها والحفاظ على خصوصية عمرانها .
ونلاحظ اليوم ترخيص جميع الدول المتدينة شعوبها بالديانات المسيحية واليهودية وغيرها ، ببناء مئات المساجد على اراضيها والالتزام بضمان حق الاعتقاد الديني باختلاف مشاربه .
في حقيقة الامر ، وحسب اعتقادي المتواضع ، فان قرار الدولة التركية الحديثة أوائل القرن العشرين القاضي بتحويل كنيسة آيا صوفيا الى متحف كان قرارا صائبا ومتوازنا يبعد التشنج الديني بشأن هذه المعلمة العمرانية التاريخية ، والتي سوف تمثل بعدها جزءاً من مدينة “اسطنبول التاريخية”، ويتم ادراجها ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي كتحفة معمارية وشاهد فريد على التفاعل ما بين أوروبا وآسيا على مر القرون .
واضحت هذه البناية التاريخية منذ مدة طويلة قبلة للسياح والزوار من مختلف الأجناس بتعدد معتقداتها الدينية او بدونها.
بلاد المسلمين واسعة وعريضة وشٌيدت فوقها آلاف المساجد لعبادة الله وليس لانتاج السياسات العمومية الداخلية والخارجية التي يجب ان تحترم المعتقد الديني وتعدده .
نحن أبناء اليوم نأخذ من التاريخ ما يمكن ان يقوي العلاقات الانسانية بين مختلف الشعوب والحضارات والاديان ، وننبذ ما قد يرجعنا الى مراحل تاريخية عانت خلالها الشعوب والامم من حروب طاحنة باسم الاديان .
خلاصة القول ، ارى ان قرار اردوغان سنة 2020 (رغم قول الكثير بأن الامر شأن داخلي لتركيا) مجانب للصواب ، يوحي بتعصب ديني اقصائي للديانات الاخرى ويحيي بعض النعرات الدينية التي تؤسس لصدام الديانات والحضارات ، هذا الصدام الذي راكم ضده المجتمع البشري الكثير في محاولات لتجنبه.