الملك يفتح باب العهد الجديد مع جيل زيد

في زمن امتلأت فيه الشوارع بالأسئلة والقلوب بالخيبة، جاء الخطاب الملكي لافتتاح البرلمان أشبه برسالة إصلاح وطنية موجهة إلى الجميع: إلى الحكومة المتعثرة، إلى الأحزاب المتكلسة، وإلى الشباب الغاضب الذي أعاد السياسة إلى الشارع. لقد تحدث الملك بلغة مختلفة، لغة أقرب إلى نبض “جيل زيد”، وأبعد ما تكون عن قاموس البلاغة الرسمية الذي اعتادت عليه المؤسسات.

الخطاب لم يكن طقساً دستورياً بارداً كما كان البعض يتوقع، بل كان توجيهاً عميقاً، يعيد ترتيب العلاقة بين الدولة والمجتمع على قاعدة جديدة: الإصغاء والعدالة والسرعة في التنفيذ.

فحين قال الملك إن العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست شعاراً، كان يضع النخبة السياسية أمام مرآة الحقيقة. فهذه الكلمات، بقدر ما تحمل نبرة التحفيز، تحمل أيضاً نبرة تأنيب لمن جعلوا الإصلاح خطاباً دون أثر.

جاء الخطاب مشبعاً بروح النقد الهادئ والمساءلة غير المباشرة. فالحديث عن “عدم تضييع الوقت والجهد والإمكانات” لم يكن عابراً، بل موجهاً لمن اختزلوا العمل العام في تسيير يومي بلا رؤية ولا جرأة. وفي المقابل، حملت الدعوة إلى تسريع “الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية” بعداً استراتيجياً يعكس وعياً ملكياً بتحولات المجتمع المغربي، وضرورة الانتقال من الكلام إلى الفعل، ومن المبادرات البيروقراطية إلى السياسات الواقعية القادرة على استعادة ثقة الناس.

الملك بدا في خطابه وكأنه يُخاطب الشباب مباشرة دون أن يذكرهم بالاسم. دعا إلى التواصل معهم، إلى توضيح القوانين والمبادرات التي تهمهم، وإلى جعل المؤسسات في خدمتهم لا العكس.

فجيل زيد لم يعد يطلب امتيازاً أو منحة، بل يطالب بالكرامة، بالإنصات، وبأن تكون الدولة على صورة أحلامهم لا على مقاس الأجيال التي سبقتهم. والملك، في هذا السياق، منح شرعية سياسية لمطالبهم، وجعلها جزءاً من أجندة الإصلاح الوطني.

إنه خطاب يعلن نهاية مرحلة وبداية أخرى، مرحلة الدولة التي تتحدث لغة الشباب، وتعيد صياغة مفهوم التنمية والعدالة الاجتماعية على أسس واقعية. لم يعد هناك متسع للمناورة أو التبرير، فالإشارات كانت واضحة: إما إصلاح عميق يُعيد الثقة ويُطلق طاقات البلاد، أو استمرار في الدوران داخل حلقة الفشل نفسها.

لقد انتصر الملك لجيل زيد، لا بإعلان شعارات جديدة، بل بإعادة تعريف موقع المواطن في معادلة الدولة، وبفتح الباب أمام مغرب يتنفس الأمل من جديد، ويؤمن أن صوت الشارع يمكن أن يُسمع من قلب المؤسسة التشريعية نفسها.
إنها بداية عهد الإصغاء، حيث تتحول لغة الدولة من خطاب فوقي إلى تفاعل حيّ مع نبض الوطن.