المندوبية السامية لقدماء المقاومين… مشروع انتهى ولم يُدفن بعد!

ماريا الزوهري
عُرفت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير منذ تأسيسها بدورها في الحفاظ على ذاكرة الكفاح الوطني وتكريم مناضليه الذين ساهموا في استقلال المغرب.

وقد ارتبط اسم هذه المؤسسة لسنوات طويلة بالمندوب السامي مصطفى الكثيري الذي شغل هذا المنصب منذ عقود في واحدة من أطول فترات التسيير الإداري لشخص واحد في تاريخ مؤسسات الدولة المغربية.

غير أن تساؤلات عديدة بدأت تُطرح حول مدى نجاعة واستمرارية هذه المؤسسة في ظل المتغيرات الحالية. فمع تقدم الزمن اختفى الجيل الذي وُجهت إليه هذه المؤسسة في الأساس إذ أن أغلب قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير توفوا بفعل عامل السن، ما جعل من أهداف المندوبية أمورًا تجاوزها السياق والواقع.

المندوبية كانت تهدف إلى صون كرامة المقاومين وأسرهم وتخليد الذاكرة الوطنية إلا أن الواقع اليوم يشير إلى أن هذه المهام لم تعد ذات جدوى كبيرة، نظراً لغياب الفئة المستفيدة الأساسية.

وبذلك تتحول المؤسسة، في نظر العديد من المتتبعين، إلى جهاز إداري يستهلك الميزانية العمومية دون تحقيق أثر ملموس في المجتمع.

مصطفى الكثيري ظل على رأس هذه المؤسسة لعقود دون تغيير، ما يثير تساؤلات حول مبدأ التداول والكفاءة والتقييم الدوري للمسؤولين. إذ أن استمرار الشخص نفسه في تسيير مؤسسة فقدت حيويتها، قد يُفهم على أنه تمسك شكلي بالمنصب، أكثر من كونه استمرارية لمشروع حيّ وفعّال.

ربما بات من الأنسب اليوم التفكير في إعادة هيكلة المندوبية وتحويلها إلى “متحف وطني للمقاومة والذاكرة التاريخية”، يكون فضاءً مفتوحاً أمام الأجيال الجديدة للتعرف على تاريخ التحرر الوطني. يمكن لهذا المتحف أن يضم أرشيفات، وثائق، شهادات حية، وفضاءات للعرض الرقمي، بدل أن تبقى المندوبية جهازاً بيروقراطياً بلا مضمون.

إن النقاش حول مستقبل المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ليس هجوماً على الماضي، بل دعوة لتقييم موضوعي وشفاف. فتكريم الذاكرة لا يكون فقط عبر الهياكل الإدارية، بل من خلال تحويلها إلى مشاريع ثقافية حية تحفظ التاريخ وتقدمه للأجيال في صيغة مُعاصرة. أما استمرار الوضع الحالي، فهو فقط إعادة إنتاج لصمت إداري يستهلك ميزانيات دون مردودية.