
مولاي العربي أحمد
تحوّلت المواسم المغربية، البعيدة عن المسارات السياحية الكلاسيكية، إلى موعد سنوي لا غنى عنه لآلاف المغاربة، الباحثين عن الروحانية وعمق التراث وأصالة العيش الجماعي في الفضاءات الريفية. وتشكل هذه التظاهرات الشعبية، المنظمة حول أولياء صالحين، مزيجًا فريدًا من التعبّد والاحتفال والانغماس في العادات العريقة، في أجواء مفتوحة يغلب عليها الطابع البسيط والتشاركي.
تنطلق فعاليات كل موسم بزيارة ضريح الولي، في لحظة خشوع وتقديم نذور، ثم تتوالى فقرات الاحتفال من موسيقى شعبية ورقصات جماعية ونصب خيام تقليدية، إلى جانب عروض “الفانتازيا” المثيرة، التي يبدع فيها الفرسان على صهوات خيولهم بإطلاق البارود في تناغم مدهش أصبح علامة مميزة لهذه المناسبات.
وفي السنوات الأخيرة، عرفت المواسم انتعاشًا لافتًا في صفوف الشباب، الذين وجدوا فيها بديلاً طبيعياً وإنسانياً عن صخب المدن وشواطئها المزدحمة. بين ليالٍ تحت النجوم وأطباق محلية شهية ورقصات أمازيغية وأهازيج شعبية، تعيش الأجيال الجديدة لحظات فريدة تربط بين التراث والطبيعة، وتعيد وصل ما انقطع مع الجذور.
من جهة أخرى، تشكل هذه المناسبات رافعة اقتصادية محلية، إذ تنتعش معها مداخيل الحرفيين وبائعي المأكولات والتذكارات، خاصة في المناطق القروية التي تفتقر إلى فرص تنموية. غير أن التوسع الكبير لهذه التجمعات يطرح تحديات متزايدة تتعلق بالنظافة والأمن وتوفير الماء الصالح للشرب، ما يستدعي تدخلًا أكبر من السلطات المعنية، وخصوصًا وزارة الثقافة، لتأطير هذه التظاهرات والارتقاء بها.
وتبقى مواسم من قبيل موسم “مولاي عبد الله أمغار” قرب الجديدة، نموذجًا لهذه التظاهرات الجماهيرية التي تجمع بين البهجة والإيمان، وتورّث تقاليدها من جيل إلى جيل. وإذا ما تم تعزيزها بتدبير محكم وترويج ثقافي متزن، فقد تتحوّل المواسم إلى دعامة قوية للسياحة الثقافية والتنمية المستدامة في العالم القروي، باعتبارها تعبيرًا حيًّا عن مغرب التنوّع والهوية والروابط الاجتماعية الأصيلة.
