بقلم: الهزيتي محمد انوار، خبير في التنمية الترابية وعضو المعهد الدولي للعلوم الإدارية
يُعد مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية (EGDI) مقياسًا رئيسيًا يُستخدم لتقييم مدى تبني الدول لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) لتحسين تقديم الخدمات العامة والحكامة. وهو مؤشر شامل يُقيّم كيفية استخدام الحكومات للتقنيات الرقمية لتحسين الكفاءة والشفافية ومشاركة المواطنين. في السنوات الأخيرة، شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نموًا ملحوظًا في الحكامة الرقمية، مع بروز المغرب كلاعب قوي في هذا القطاع.
نظرة عامة على مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية (EGDI)
يتكون مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية (EGDI) من ثلاث مكونات أساسية. المكون الأول، مؤشر الخدمات الإلكترونية (OSI)، يُقيّم جودة الخدمات الحكومية المتاحة عبر الإنترنت، وسهولة الوصول إليها، وتنوعها. أما المكون الثاني، مؤشر البنية التحتية للاتصالات (TII)، فيُقيّم جودة وتوافر البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما في ذلك انتشار الإنترنت وتغطية شبكات الهاتف المحمول. المكون الأخير هو مؤشر رأس المال البشري (HCI)، الذي يقيس مستوى التعليم والمهارات الرقمية لسكان الدولة، وهو أمرٌ أساسيٌّ لتبني خدمات الحكومة الإلكترونية واستخدامها. تُعطي هذه العوامل الثلاثة مجتمعةً رؤيةً شاملةً لجاهزية الدولة وقدرتها على تقديم خدمات حكومية إلكترونية فعّالة وشاملة.
تصنيفات ونتائج مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (2024)
اعتبارًا من عام 2024، قطعت العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أشواطًا كبيرة في تحسين حوكمتها الرقمية، بينما لا تزال دول أخرى تواجه تحديات في تحقيق كامل إمكانات خدمات الحكومة الإلكترونية. فيما يلي جدول يوضح تصنيفات ونتائج مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية للدول الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:
المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة: رواد في المنطقة
تتصدر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث احتلتا المركزين الرابع والثالث عشر عالميًا بحلول عام 2024. وقد استثمرت الدولتان بكثافة في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مما أدى إلى تقديم خدمات حكومية رقمية عالية الجودة. ركزت المملكة العربية السعودية على رقمنة القطاعات الرئيسية مثل الرعاية الصحية والتعليم وتراخيص الأعمال، مع خطط لزيادة تحسين نطاق خدماتها وأثرها. أما الإمارات العربية المتحدة، فمن خلال مبادرات مثل “دبي الذكية”، تهدف إلى دمج جميع الخدمات الحكومية في منصة رقمية بحلول عام 2025، مما يجعلها من أكثر الدول تقدمًا في مجال الحوكمة الرقمية عالميًا. وقد ساعد تركيز الإمارات العربية المتحدة المكثف على إنشاء منظومة متكاملة للمدن الذكية وتشجيع المشاركة الإلكترونية في الحفاظ على مكانتها الرائدة في التصنيفات العالمية.
المغرب: صعود مطرد
في عام 2024، ستبلغ درجة المغرب في مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية 0.6841، مما يضعها في المرتبة 90 عالميًا. ويمثل هذا تحسنًا كبيرًا عن مرتبتها التي كانت 109 في عام 2014. على مر السنين، قطع المغرب شوطًا كبيرًا في تطوير خدمات الحكومة الإلكترونية، مدفوعًا بالتركيز الاستراتيجي للحكومة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتحديث القطاع العام. وقد تأثر التحول الرقمي في المغرب بسياسات عديدة آخرها استراتيجية المغرب الرقمي 2030، التي تهدف إلى تحسين تقديم الخدمات العمومية وتبسيط المساطر الإدارية من خلال الوسائل الرقمية إضافة إلى تكوين الكفاءات الرقمية ودعم ريادة الاعمال في المجال.
في حين أحرز المغرب تقدمًا كبيرًا، إلا أنه لا يزال متأخرًا عن بعض نظرائه في المنطقة. تشير درجة الخدمات الإلكترونية في البلاد، البالغة 0.5618، إلى وجود مجال للتحسين في نطاق وجودة خدمات الحكومة الرقمية.
من ناحية أخرى، شهدت البنية التحتية للاتصالات في المغرب تحسينات كبيرة، تتجلى في درجتها القوية في مؤشر البنية التحتية للاتصالات (TII) البالغة 0.8827، على الرغم من استمرار التحديات في المناطق القروية حيث لا يزال الاتصال بالإنترنت غير منتظم.
مقارنة المغرب بدول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
يُظهر ترتيب المغرب في تصنيفات مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية (EGDI) تقدمًا وتحديات. فبينما حسّن المغرب خدماته الرقمية بشكل ملحوظ، إلا أن هناك فجوة ملحوظة مقارنةً بأفضل الدول أداءً في المنطقة. فقد استثمرت دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل أكبر في تطوير خدمات رقمية متطورة، بما في ذلك الصحة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني، والتي كانت أساسيةً في تصنيفاتها العالية. ومع ذلك، فقد قطع المغرب خطوات كبيرة في إرساء البنية التحتية والخدمات الأساسية التي من المرجح أن تُشكّل قاعدةً قويةً للنمو المستقبلي إذا تم التخطيط لها بشكل جيد مع وضع أدوات لضمان التقائية التدخلات العمومية في المجال.
التطورات الرئيسية في التحول الرقمي في المغرب
ساهمت العديد من المبادرات في صعود المغرب في تصنيفات مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية:
استراتيجية المغرب الرقمي 2030: تُركز هذه الاستراتيجية على تحسين خدمات الحكومة الإلكترونية، وتحسين الثقافة الرقمية، وإنشاء بنية تحتية متينة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتكوين الكفاءات ثم دعم المقاولات الناشئة. وقد أرست هذه الاستراتيجية الأساس لنموذج حوكمة رقمية أكثر شمولاً وسهولةً في الوصول لكن التفاصيل الإجرائية وآليات التتبع والتقييم لازالت غير واضحة.
أنظمة الهوية الإلكترونية: طبّق المغرب أنظمة الهوية الإلكترونية لتبسيط وصول المواطنين إلى بعض الخدمات الحكومية، مما يُبسّط العملية الإدارية ويُحسّن الكفاءة.
الخدمات الإلكترونية: أطلقت الحكومة المغربية مجموعة متنوعة من الخدمات الإلكترونية، بما في ذلك خدمات تسجيل الشركات، ودفع الضرائب، واستحقاقات الضمان الاجتماعي. وقد سهّلت هذه الخدمات على المواطنين التفاعل مع الحكومة والحصول على الخدمات الأساسية.
التحديات التي تواجه التحول الرقمي في المغرب
على الرغم من التقدم المُحرز، لا يزال المغرب يواجه العديد من التحديات في تحقيق إمكاناته الرقمية بالكامل:
فجوة البنية التحتية: على الرغم من أن المناطق الحضرية في المغرب شهدت تحسينات في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلا أن المناطق الريفية لا تزال تواجه تحديات كبيرة من حيث الوصول إلى الإنترنت وسرعته. يُشكّل هذا التفاوت في الوصول تحديات في توفير خدمات الحكومة الإلكترونية الشاملة. هذا بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الولوج إلى الانترنيت مقارنة مع دول أخرى.
تنمية رأس المال البشري: مع درجة مؤشر رأس المال البشري البالغة 0.6078، يحتاج المغرب إلى زيادة الاستثمار في محو الأمية الرقمية والتعليم. لا تزال الفجوة الرقمية بين مختلف شرائح السكان تُشكّل مصدر قلق، وخاصة في المناطق الريفية. دون ان ننسى إشكالية الهجرة المكثفة للكفاءات الرقمية للخارج بسبب ضعف الأجور وظروف العمل.
الأمن السيبراني: مع تزايد اعتماد المغرب على الخدمات الرقمية، سيحتاج أيضًا إلى تعزيز إجراءاته المتعلقة بالأمن السيبراني. تُعد حماية بيانات المواطنين وضمان سلامة المعاملات الإلكترونية أمرًا بالغ الأهمية لبناء الثقة في خدمات الحكومة الإلكترونية.
في الختام، أحرز المغرب تقدمًا ملحوظًا في مجال الحوكمة الرقمية، ويتجلى ذلك في تحسنه في تصنيفات مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية (EGDI). ومع ذلك، لتحقيق كامل إمكاناته، يتعين على البلاد التركيز على سد الفجوة الرقمية، لا سيما في المناطق الريفية، ومواصلة الاستثمار في المهارات الرقمية والأمن السيبراني. ومن خلال مواجهة هذه التحديات والاستفادة من فرص التعاون والابتكار، يمكن للمغرب تعزيز مكانته في مجال الحوكمة الرقمية العالمية.