الهيئة الوطنية للنزاهة تهاجم الحكومة: قانون المسطرة الجنائية عاجز عن تطويق الفساد!

اشتكت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، عدم استجابة الحكومة لملاحظاتها وتوصياتها المتعلقة بمشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية، باستثناء توصية واحدة يتيمة، مشدّدة على ضرورة استحضار خصوصية وخطورة جرائم الفساد، بما يقتضي تأطيرها بآليات جنائية مسطرية تتناسب مع ملابسات التطور الملحوظ لآفة الفساد في المغرب.

وأوضحت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها خلال اليوم الدراسي الذي نظمته أمس الخميس، لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، حول مشروع القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01، أن هذا المشروع يعد جزءًا من الانشغال الوطني بآليات ضمان الحقوق والحريات، بما في ذلك حقوق المتهمين، وكذلك مكافحة الجرائم وحماية قرينة البراءة وتوطيد المحاكمة العادلة، مؤكدة أنها تعتبر قانون المسطرة الجنائية قانونًا إجرائيًا هامًا لتنزيل قواعد التجريم والعقاب، ويُعتبر أداةً أساسية في مكافحة الفساد وضمان محاسبة مرتكبي الجرائم.

وأبرزت الهيئة، في كلمتها التي ألقاها باسم رئيس الهيئة رشيد المدور نائب الرئيس، أنها كانت قد قدمت رأيها في المسودة الأولى لهذا المشروع في صيغته التي حملت رقم 01.18، في إطار تقريرها السنوي لعام 2021، حيث أبدت ملاحظاتها وتوصياتها الخاصة بمراجعة هذا القانون، وقد واصلت جهودها بعد مصادقة المجلس الحكومي على الصيغة الجديدة لمشروع القانون رقم 03.23 في 29 غشت 2024، حيث قامت الهيئة بقراءة تفصيلية لهذه الصيغة بمبادرة منها ووجدت تجاوبًا مع توصية واحدة فقط من توصياتها.

وفي الوقت ذاته، أكدت الهيئة على لسان نائب رئيسها في البرلمان أنها لم تلاحظ أي تغيير في باقي المواد التي كانت قد تناولتها في تقريرها الموضوعاتي لسنة 2021، والتي كانت قد قدمت ملاحظات وتوصيات بشأنها، لافتة إلى أنها قد رصدت ثلاث مواد جديدة تم إدراجها في الصيغة المعدلة للمشروع، وقد أثارت هذه المواد ملاحظات وتوصيات جديدة من طرف الهيئة.

وبناءً على هذا، أوضحت الهيئة أن مجلسها قرر في اجتماعه الذي انعقد في 15 أكتوبر 2024 اعتماد تقرير محدث يتضمن، بالإضافة إلى الملاحظات والتوصيات التي وردت في التقرير الموضوعاتي لعام 2021، الملاحظات والتوصيات المتعلقة بالمواد الثلاثة الجديدة التي تم تضمينها في الصيغة النهائية للمشروع.

واستعرضت الهيئة في اللقاء ذاته، المحددات المرجعية التي استندت إليها في تقديم رأيها من زاوية اختصاصاتها، بخصوص مشروع القانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، والمتمثلة في إدراج مراجعة هذا القانون في منظور وسقف المشرع الدستوري الذي أبرز أهمية ومحورية مطلب تخليق الحياة العامة والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد بمختلف تمظهراته، والتجاوب مع الالتزامات الدولية لبلادنا في إطار مصادقتها على الاتفاقيات الدولية والإقليمية ، وما يقتضيه ذلك من تفاعل إيجابي مع رهاناتها ومع التوصيات الصادرة بهذا الخصوص، سواء في إطار تقارير الاستعراض التي خضع لها المغرب أو في إطار تقارير التقييم المنجزة من طرف خبراء دوليين.

وتؤكد الهيئة أيضا، على مرجع الانفتاح على توجهات التشريعات الجنائية الحديثة التي اقتنعت بضرورة النهوض بآليات مسطرية متطورة في التبليغ والبحث والتحري والتحقيق والتعاون الوطني والدولي في جرائم الفساد، واستحضار خصوصية وخطورة جرائم الفساد، بما يقتضي تأطيرها بآليات جنائية مسطرية تتناسب مع ملابسات التطور الملحوظ لآفة الفساد.

وعلى أساس هذه المحددات المرجعية، اعتمدت الهيئة في تقديمها لمنظورها بخصوص مراجعة قانون المسطرة الجنائية مقاربةً تروم اختبار واستشراف قدرة الإجراءات المسطرية المعتمدة على تطويق جرائم الفساد واقتياد مرتكبيها نحو المحاكمة القضائية وترتيب العقاب المتناسب، بما يحقق التوازن بين الفعالية المطلوبة وضمانات المحاكمة العادلة والحفاظ على حقوق المعنيين، وذلك وفق منهجية تقوم على التحليل الموسع والتقعيد الموضوعي للتوصيات المقدمة، انطلاقا من المرجعيات المذكورة للتوجه نحو طرح المقتضى المقترح وفق صيغته القانونية المناسبة لتسهيل إدراجه في المسار التشريعي المعتمد من طرف الجهات المعنية.

ووفق هذه المقاربة، استهدفت توصياتُ الهيئة بشكل عام إرساء المقومات الضامنة للنهوض بالتبليغ والكشف عن جرائم الفساد في إطار تحصين الضمانات، وتعزيز التعاون المؤسساتي وتكامل جهود أعمال البحث والتحري، وإذكاء الدينامية في ملاحقة جرائم الفساد ومتابعتها، وتحقيق التوازن بين ضمانات الأشخاص ونجاعة أعمال البحث والتحري في إطار التقنيات الحديثة، وتيسير بلوغ جرائم الفساد إلى القضاء، وضمان الشفافية والنجاعة القضائية.

وسجّل نائب الرئيس، أن الهيئة تتطلع، من خلال الرأي الذي قدمته بخصوص هذا المشروع، في إطار إحالة ذاتية، إلى تكامل جهود كل الجهات المعنية من أجل إرساء إطار قانوني يوفر المقومات الإجرائية الضامنة لاحترام حقوق الأفراد، وصون الحريات، وتحصين براءة الأشخاص، وتثبيت توازن الأطراف، من جهة، والحفاظ على المصلحة العامة والنظام العام وحق المجتمع في معاقبة مرتكبي الجرائم، من جهة ثانية، ويوفر مستلزمات النجاعة والفعالية في إقرار العدل والإنصاف وإعادة الحقوق إلى أصحابها وإلى نصابها الحقيقي، من جهة أخيرة.

وشدّد نائب الرئيس، على أن الهيئة تسعى من خلال توصياتها إلى ضمان تعزيز التعاون المؤسساتي، وتحقيق التوازن بين حماية حقوق الأفراد وضمان فعالية أعمال البحث والتحري، خاصة في جرائم الفساد، معربا عن أمله في أن يتم الاستجابة بشكل أكبر لملاحظات الهيئة في المستقبل لتحقيق تعاون مثمر بين كافة الجهات المعنية، بما يضمن حماية الحقوق والحريات ويعزز من فعالية القضاء في مكافحة الفساد.

واعتبرت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، قانون المسطرة الجنائية قانونا إجرائيا لتنزيل قواعد التجريم والعقاب، بما يجعل منه، بالإضافة الى موقعه العام كجسر نحو تفعيل السياسة الجنائية وتمكينها من بلوغ غاياتها في مكافحة الظاهرة الإجرامية، أداةً أساسية تساهم في تطويق أفعال الفساد ومكافحة إفلات مرتكبيها من العقاب، مؤكدة أن رأي الهيئة جاء مُثمِّنا لمراجعة القانون رقم 22.01، مع التأكيد على ضرورة التجاوب مع مطلب مواكبة تطوُّر الأساليب الجرمية وخاصة منها المتعلقة بأفعال الفساد، والتفاعل مع تجدُّد الآليات الجنائية التي أوصت بها مجموعة من المعاهدات والصكوك الدولية ذات الصلة، واعتمدَتها العديدُ من التشريعات الدولية.