يُواصل محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، إطلاق صفقات مثيرة للجدل، محطما الرقم القياسي في الصفقات والعقود خلال الولاية الحكومية الحالية. إذ أطلق طلب عروض رقم 11/2025 بقيمة 3.780.000,00 درهم أي حوالي 378 مليون سنتيم، لإعداد دراسة تتعلق بتحضير نظام المعلومات (USI) وتطوير خطة التحول الرقمي لقطاع الشباب، وهو مبلغ يثير تساؤلات حول مدى عقلانيته، خاصة في ظل الأولويات الاجتماعية والاقتصادية الأكثر إلحاحا.
وكشفت وثائق يتوفر عليها موقع “هاشتاغ” أن الصفقة تهدف إلى وضع خارطة طريق للتحول الرقمي لقطاع الشباب، وهو ما يتطلب دراسة لمختلف الأنظمة المعتمدة حالياً وتحديد نقاط القوة والضعف، بالإضافة إلى صياغة رؤية استراتيجية للرقمنة. وتشمل الدراسة عدة مراحل، أبرزها تقييم الوضع الحالي، وضع تصور للمنظومة الرقمية المستقبلية، وإعداد خطة تنفيذية مفصلة.
ووفقاً للوثائق، فإن مشروع الدراسة يستند إلى مجموعة من المرجعيات، من بينها التوجهات الوطنية 2020-2025 في مجال الرقمنة، والقوانين المنظمة لتحديث الإدارة، خاصة القانون 55-19 المتعلق بتبسيط المساطر الإدارية. كما أنه يأخذ بعين الاعتبار تأثير التحول الرقمي على تحسين الخدمات العمومية وتعزيز الشفافية.
غير أن المبلغ المرصود لهذه الصفقة يبدو مرتفعا بشكل يثير الشكوك حول مدى ترشيد الإنفاق العام، خاصة أن التحول الرقمي يتطلب رؤية واضحة أكثر من مجرد تخصيص ميزانيات ضخمة لدراسات قد لا تكون ذات أثر ملموس. فهل تحول قطاع الشباب إلى واجهة لصرف المال العام بلا حسيب أو رقيب؟ أم أن هذه الصفقات تدخل ضمن استراتيجية لتفريغ الخزينة في استشارات لا تحقق أي تحول فعلي على أرض الواقع؟
وفي سياق تنفيذ المشروع، تتطلب الدراسة حسب الوثائق التي يتوفر عليها موقع “هاشتاغ” فرقاً من الخبراء المتخصصين في مجالات نظم المعلومات، التحول الرقمي، الهندسة المعلوماتية، وإدارة المشاريع، على أن يتم تقديم تقارير دورية حول تقدم الأشغال.
وحسب دفتر التحملات، فإن المشروع سينفذ على مرحلتين رئيسيتين، تشمل الأولى تحضير نظام المعلومات وتحليل البنية الحالية، بينما تتناول الثانية وضع خارطة طريق للتحول الرقمي.
وتثير هذه الصفقة تساؤلات حول مدى مردوديتها وجدواها، خصوصاً في ظل الصفقات السابقة التي أطلقها الوزير المهدي بنسعيد، والتي لاقت انتقادات واسعة بسبب تكلفتها المرتفعة مقارنة بالمخرجات المحققة.
كما أن اللجوء إلى الدراسات الاستشارية يطرح علامات استفهام حول غياب رؤية واضحة داخل الوزارة، ومدى قدرة أطرها على تنفيذ الإصلاحات دون الحاجة إلى دراسات مكلفة.
ويأتي هذا الجدل في سياق توجه الحكومة نحو ضبط النفقات وتحقيق النجاعة في التدبير، وهو ما يجعل صفقة التحول الرقمي لقطاع الشباب محط متابعة دقيقة من الفاعلين السياسيين والإعلاميين، خاصة وأن قطاع الشباب يواجه تحديات كبرى تتطلب حلولاً عملية أكثر من دراسات نظرية. فهل باتت هذه الصفقات وسيلة لتدبير سياسي غامض يخدم أجندات خاصة؟ أم أن التحول الرقمي مجرد شعار فضفاض لاستنزاف المال العام دون محاسبة؟