هاشتاغ _ الرباط
في خضم تزايد شكاوى المسافرين من تدهور خدمات النقل الجوي بالمغرب، خرج وزير النقل واللوجستيك عبد الصمد قيوح بتصريحات أثارت جدلاً واسعاً، حيث نفى فيها أي مسؤولية للمطارات المغربية عن الأزمات المتفاقمة التي تعاني منها الرحلات الجوية، محمّلاً المسؤولية الكاملة لشركات الطيران وشركات المناولة الأرضية. هذه التصريحات وضعت شركة الخطوط الملكية المغربية (لارام) في قلب العاصفة، إذ باتت محور الانتقادات الشعبية والبرلمانية بسبب فشلها في تلبية الحد الأدنى من توقعات المسافرين.
تصريحات عبد الصمد قيوح، التي جاءت في معرض رده على سؤال برلماني، أزاحت الستار عن واقع مأساوي يعيشه قطاع النقل الجوي بالمغرب، خاصة مع تكرار التأخير في مواعيد الرحلات، وضياع الأمتعة، وسوء التعامل مع شكاوى المسافرين.
وشدد الوزير على أن المطارات المغربية تعتمد نظاماً إلكترونياً متطوراً لتتبع الأمتعة، إلا أن المسؤولية تقع بالكامل على عاتق شركات الطيران وشركائها من شركات المناولة الأرضية، التي تتحمل مهمة إيصال الأمتعة إلى أصحابها ومعالجة الشكاوى المرتبطة بها.
وأصبحت شركة الخطوط الملكية المغربية، التي كانت رمزاً للاعتزاز الوطني،اليوم محط غضب واسع بسبب الاختلالات المتكررة التي تعاني منها خدماتها، حيث أن المسافرون الذين يثقون في “لارام” ينتهي بهم المطاف عالقين لساعات وأحياناً أيام في انتظار أمتعتهم، بينما يواجهون سوء تعامل من الجهات المسؤولة عن معالجة شكاويهم. مشاهد المسافرين الغاضبين في مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء أصبحت مألوفة، حيث يعاني كثيرون من البحث المضني عن حقائبهم المفقودة وسط نظام إداري يبدو غير قادر على معالجة المشاكل الأساسية.
وكان النائب البرلماني حسن أومريبط من أبرز الأصوات التي دقت ناقوس الخطر حول هذه الأزمة، حيث وصف الوضع في مطار محمد الخامس، الذي يُعد البوابة الرئيسية للمملكة، بالمخجل، مشيراً إلى أن استمرار هذه الأوضاع يشوه صورة المغرب أمام العالم. بدلاً من أن تكون المطارات المغربية وجهة استقبال مريحة، أصبحت مكاناً للمعاناة والإحباط.
وتأتي هذه الأزمة في وقت حساس للغاية، حيث يستعد المغرب لاستضافة أحداث رياضية عالمية كبرى مثل كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030. العالم يراقب، والمملكة مطالبة بتقديم صورة مشرفة عن قدرتها على تنظيم أحداث بهذا الحجم. لكن مع استمرار الأزمات التي تعاني منها “لارام”، فإن سمعة المغرب كوجهة سياحية وتنظيمية أصبحت على المحك. كل تأخير في الرحلات وكل حقيبة مفقودة يمثل ضرراً مباشراً على صورة المغرب أمام زواره، سواء كانوا سياحاً أو مستثمرين.
تصريحات وزير اللوجستيك والنقل حول اعتماد المطارات المغربية لنظام “BRS” لتتبع الأمتعة أثارت المزيد من التساؤلات. إذا كان هذا النظام فعّالاً كما يدعي الوزير، فلماذا تستمر معاناة المسافرين؟ ولماذا تبدو “لارام” عاجزة عن توفير خدمات تتماشى مع الحد الأدنى من المعايير الدولية؟ الإجابة تكمن في غياب رقابة حقيقية على شركات المناولة الأرضية، بالإضافة إلى سوء تدبير واضح من إدارة “لارام”، التي تبدو غير مبالية بالضرر الكبير الذي يلحق بسمعتها وبثقة زبائنها.
المسافرون أصبحوا يشعرون بأنهم مجرد أرقام في نظام جوي يفتقد للشفافية والمسؤولية. التأخير المتكرر للرحلات، وضياع الأمتعة، وسوء التواصل مع المتضررين، جعل من تجربة السفر عبر “لارام” مصدراً للإحباط، بدلاً من أن تكون رحلة مريحة وممتعة. هذه الاختلالات لا تقتصر على الجانب التقني أو اللوجستي، بل تعكس أزمة هيكلية أعمق في قطاع النقل الجوي بالمغرب.
الخطوط الملكية المغربية، التي كانت ذات يوم رمزاً للتميز، أصبحت اليوم رمزاً للفوضى. تصريحات الوزير قيوح جاءت لتكشف المستور عن هذا الواقع، لكنها لم تقدم أي حلول عملية لمعالجة الأزمة. بدلاً من البحث عن مبررات وتبرئة المطارات، كان الأجدر التركيز على إصلاح جوهري يعيد الثقة إلى المسافرين ويضع “لارام” على الطريق الصحيح.
ما يحدث اليوم في النقل الجوي المغربي، وخاصة مع “لارام”، يضع البلاد أمام تحدٍ كبير. هل ستتحرك الجهات المسؤولة لإصلاح هذا القطاع الحيوي؟ أم أن الفوضى ستستمر، مما يهدد بفقدان المغرب لمكانته كوجهة سياحية وتنظيمية عالمية؟ الأزمة ليست مجرد مسألة تأخير أو ضياع أمتعة، بل هي اختبار حقيقي لقدرة المملكة على إدارة قطاعاتها الحيوية بشكل يعكس تطلعات مواطنيها وصورتها أمام العالم.