الوطن و الديمقراطية التي نريد

علي الغنبوري

اذا كان الاختلاف هو الاساس الذي تقوم عليه الديمقراطية و الذي بدونه لا يمكنها ان تستقيم و ان تنمو ، فان هذا الاختلاف يفقد كل معانيه و كل مرتكزاته ، اذا تعلق الامر بالوطن ، فبدون وطن ، لا توجد ديمقراطية ، و لا يمكن الحديث عنها و عن تجدرها و استمرارها .

الوطن هو البيت المشترك للجميع ، و هو المستقر الذي يستوعب الكل ، و الديمقراطية هي الية من الاليات التي من المفروض ان تدفع الى قوة و مناعة هذا الوطن ، بحفاظها على عناصر تنوعه و اختلافاته ، في توافق تام مع مرتكزاته و قيمه و ماضيه و حاضره و مستقبله .

و متى كانت هذه الديمقراطية عنصرا من عناصر قتل الاختلاف و تكريس المنطق الواحد ، و ضرب مصالح الوطن ، و ارباك مسيرته ، فانها تتحول الى ديمقراطية مشوهة و معطوبة ، فاقدة لاي معنى و لاي ضرورة .

اذا كانت الديمقراطية ، هي الية مجبولة بقيم و مبادئ متينة ، فان تصريفها و تنزيلها الى ارض الواقع ، تقع مسؤوليته على عاتق الفاعلين داخل منظومتها ، فهم من يعطيها معانيها و هم من يرسم ملامحها و شكلها،و هم من يضمن فعاليتها و نجاعتها .

الفاعل السياسي المؤمن بالوطن ، هو من يجعل من الديمقراطية اداة لخدمة الوطن ، و ليس العكس ، فهو ملزم بجعله فوق كل اعتبار و بتقديمه على كل الحسابات الذاتية او الفئوية ، و بضمان التنوع و التعدد داخله ، وقوة الوطن تكمن في تنوعه و في قدرته على ضمان بروز هذا التنوع و التعدد داخله ، و في تعدد الاختيارات المتاحة داخله.

ان التعاطي الجاف مع الديمقراطية ، الذي يحصرها في القدرة على الحصول على الاغلبية ، و تصدر المشهد السياسي ، هو تعاطي ناقص و مختل ، يجعل منها اداة للصراع و للحسم و التفرد ، و ينحو بها في اتجاه التحول الى الاستفراد و النمطية ، و تحطيم كل مسوغات التنافس التعددي ،ويلغي كل امكانيات التغير داخل المجتمع .

لا يدخل هذا النقاش في باب الترف الفكري ، بل هو نقاش يستمد شرعيته و راهنيته و حساسيته ، من عدد من النماذج التي ادى فيها التعاطي مع الديمقراطية كالية لافراز الاغلبية بشكل حصري ،الى بزوغ انظمة منغلقة سرعان ما تتحول الى الشمولية .

فما وقع في المانيا النازية و ايطاليا الفاشية ،و ما يحصل اليوم في تركيا و ايران و عدد من الدول الاخرى ، يعطي نظرة واقعية ، على هذا التعاطي الساذج مع الديمقراطية ، الذي جعل منها اداة لصعود تيارات و توجهات سياسية غير مؤمنة بها ، سرعان ما قضت على الاختلاف و التنوع الذي تقوم عليه الديمقراطية ، و حولت مجتمعاتها الى وحدات نمطية ، يسود فيها الراي الواحد و التوجه الواحد.

صحيح ان المغرب اليوم اختار المضي قدما في مسار البناء الديمقراطي ، لكن هذا الاختيار لا يمكنه باي حال من الاحوال ، ان يتحول الى حبل يلف رقبته ، و يجعله تحت رحمة توجهات لا ديمقراطية ، تتجه نحو خنق التعدد و التنوع الذي يتميز به .

تعاطي المغرب اليوم مع موضوع الديمقراطية ،لا يجب ان يشكل موضوع حرج او تردد ، فيما يخص الشكل الذي يريد إرساء قواعده ، فهو اليوم ملزم بتحصين ديمقراطيته و حمايتها من كل الفرضيات و التوجهات التي قد تلغي التعدد و التنوع داخله ، كما يتوجب عليه ان يكون حازما اتجاه اي ممارسات تستهدف جوهره و مرتكزاته و قيمه .

هذا الحزم ،لن يكون الا عبر قواعد واضحة و غير مبهمة ، تفرض ادخال الشروط الامنة للمارسة الديمقراطية ،القائمة على التعدد و الاختلاف ، و الضامنة لبروز كافة الاختيارات السياسية الكامنة داخل المجتمع ، و القادرة تمنيع الوطن و حمايته من اي انحرافات او اخطار تهدد وحدته و قوته و مؤسساته و عناصر اجماعه .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *