اليسار الجاحد !!

علي الغنبوري

و انا اتابع ردود فعل بعض مكونات اليسار المغربي على دعوة الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي ، الى ضرورة رص الصفوف و تشكيل جبهة يسارية حداثية لمواجهة التحديات و الرهانات المستقبلية ، و تجاوز معيقات الماضي، تيقنت بما لا يدع مجال للشك ، ان مشكل اليسار المغربي ، لا يكمن في طموحات او صراعات شخصية بدون اي بعد سياسي او ايديولوجي ، او رغبة في التشردم و التفتت ، او اختلاف حول مواقف او تموضعات سياسية ، بل المشكل يكمن بالاساس في ترسب عقلية جاحدة لدى هذا اليسار اتجاه الاتحاد الاشتراكي و ماضيه و حاضره و مستقبله .

و اذ حاولت هذه المكونات اليسارية ، ربط رفضها لدعوة الاتحاد الاشتراكي بما يعيشه الحزب من ظروف تنظيمية (تجهل اسبابها و الفاعلين داخلها) ، فلا يمكنها ان تنكر ان شعلة هذا الجحود اتجاه الاتحاد ، قد التهبت مواقدها منذ سنين طويلة ،فهذا الجحود لازم مكونات اليسار منذ وجودها ، ولم تتوقف عن التعبير عنه في اي وقت او حقبة .

هذا اليسار الجاحد هو من تنكر لمرجعية الاتحاد اليسارية الوطنية ، ليؤسس الاطارات الحالمة و المتطرفة ، التي سعت الى ربط المغرب بالاجندات السريالية ، التي صنعت الديكتاتوريات العالمية البائدة .

هذا اليسار الجاحد، هو الذي جلد الاتحاد لاختياره الديمقراطية كاساس للنضال الوطني المؤسساتي ، واصفا اياه بالخيانة و الارتداد عن المرجعية اليسارية و الارتماء في احضان ما كان يصفه انذاك « بالكومبرادورية ».

هذا اليسار الجاحد ، هو من نسي كل التضحيات التي قدمها الاتحاد و مناضلوه ، في سبيل حياة و حرية و استمرار هذا اليسار ، يوم كان القمع يجز الرقاب ،و يخفي الناس في غياهب السجون .

هذا اليسار الجاحد ، هو الذي نسي ، ان غالبية اطره و مناضليه الفاعلين ، قد مروا من مدرسة الاتحاد ، و تلقوا داخلها مبادئ و قيم العمل السياسي الجاد و المسؤول ، المبني على الديمقراطية الصادقة و المجردة .

هذا اليسار الجاحد ،هو الذي حارب الاتحاد و ابنائه في الجامعات و في مختلف المواقع و المساحات المجتمعية ، التي خلقها الاتحاد نفسه، لتكون منبتا و بيتا للجميع ، ليسمح للقوى الرجعية و الظلامية باحتلالها.

هذا اليسار الجاحد ، هو الذي شحذ سيوفه و خناجره للطعن في تجربة الاتحاد لقيادة الحكومة في ضل التوافق الوطني بين مكونات البلاد الشرعية ، لنجده فيما بعد واقفا في اول صف المطالبين بالاستفادة من غلة هذا التوافق الذي قاده الاتحاد.

هذا اليسار الجاحد ، هو الذي سينخرط تلقائيا ، في المشروع السياسي « الوافد الجديد » ، القائم على تحييد الاتحاد ، و تعويض زخمه و تأثيره المجتمعي السياسي ، بحزب سياسي مشوه التكوين و الاهداف ، تنخره خطيئة النشأة .

هذا اليسار الجاحد ، هو الذي يسطو اليوم على استراتيجية و قناعات الاتحاد الديمقراطية ، المبنية على النضال المؤسساتي ، ناسيا و متناسيا كل ما قاله في حق الاتحاد و ابداعه لهذا التوجه السياسي ، والذي بات اليوم يتشدق بالتشبت به .

و اذا كان اليوم لاحد ان يقدم نقدا ذاتيا ، فالأكيد سيكون هذا اليسار الجاحد ، الذي ضيع على الديمقراطية و على الوحدة اليسارية ، سنوات طويلة ، بخلفياته و توجهاته المغامرة ، قبل ان يقتنع بكل ما نادى به و ابتدعه الاتحاد الاشتراكي منذ سنين طويلة ، فالاتحاد و ان عانى تنظيميا ، فانه ضل وفيا لما أمن به و ما أرساه من توجهات و منطلقات سياسية .

ان الاتحاديات و الاتحاديين و رغم كل ما تعرضوا له من جحود من قبل اليسار و مكوناته ، الا انهم يضلون متشبتين بامل توحيد هذا اليسار ، و جعله قادرا على الانخراط في العمل السياسي الوطني بعقلانية و انفتاح ، تتيح للبلاد امكانية التطور و الازدهار ، وفق قيم الحداثة و الديمقراطية .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *