اليمين المتطرف.. الخطر القاتل داخل الجسم الاوروبي

يحاول الأوروبيون الهروب من سيطرة الأحزاب اليمينية المتطرفة التي نشطت في الحرب العالمية الثانية، وهذا ما أظهره تقرير الاتحاد الأوروبي المتعلق بتركيا وموقفه منها، الذي يدعو إلى السخرية والحزن في الوقت نفسه، بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة « مالتيبي » المتخصص العلاقات الدولية وشؤون الاتحاد الأوروبي، سليمان سيفي أوغون.

وتساءل الكاتب في بداية مقاله على صحيفة « يني شفق » التركية: أوروبا من أين تهرب وإلى أين تذهب؟ مضيفا، أن الفيلسوف كارل ماركس كتب ذات مرة أن « شبح الشيوعية يطارد أوروبا »، كان ماركس يعرف كيف يطرد هذه الخيالات منذ البداية، بحسب المقال.

ورأى أستاذ العلوم السياسية، أن هناك جزءا مهما من البروليتاريا الأوروبية التي دعمت هزيمة الحركة الاشتراكية، فمثلا في روسيا وأوروبا الشرقية، مثّل الفلاحون جزءا كبيرا منها، ما جعل الحكم الذي ساد يعود إلى أصوله الجغرافية، بل وأصيب بالشلل بسبب التدخلات البيروقراطية والتدخلات الحزبية الدينية، فتطور الأمر إلى تجربة مروعة.

اليمين المتطرف

وأظهر سيفي أوغون من خلال مقاله، كيف « خرج خطر جديد بعد الحرب العالمية الثانية، وهو اليمين المتطرف مهددًا الأنظمة السياسية التي أسست في غرب أوروبا بعد انتهاء الحرب ». وتابع: « قتل موسوليني، انتحار هتلر، الرأي العام في ذلك الوقت كره اليمين المتطرف الذي تسبب في هذه الكارثة الكبيرة. أما أولئك الذين كانوا لا يزالون يتعاطفون مع الفاشية والنازية فقد تم خنق أصواتهم ».

وواصل الأستاذ الجامعي استعراض الأحداث التاريخية، قائلا، أما في إسبانيا فكانت كتائب فرانكو ونظام سالازار الديكتاتوري في البرتغال لا يزالان قائمين. ومن ناحية أخرى واصلت الطغمة العسكرية في مستعمرات اليونان بزعامة العقيد كونتاسي حكمها. لكن في منتصف سبعينيات القرن العشرين، تم التخلص من هذه الخشونة أيضًا. وفي عام 1974 حدثت « ثورة القرنفل » في زنجبار وتم إنهاء حكم العقداء في اليونان.

وفي عام 1975، حسب المقال، توفي فرانكو في إسبانيا وانتقل الحكم لخوان كارلوس بشكل ناعم، إذ توالى انتقال الخلافة هناك بشكل سلس، وبعدها انتهى عصر اليمين المتطرف أو هكذا أشيع. وأردف الكاتب، لم يكن هناك انتهاء لعصر اليمين المتطرف بعد الحرب العالمية الثانية، لكن منظماتها كانت تهيمن على المزيد من هياكل الدولة. وسرد أسماء بعضها، مثل « جلاديو » و »أوبوس دي »، وكذلك الخطوط المعادية للشيوعية داخل الناتو استمرت في أنشطتها، لكن أنشطة الأحزاب السياسية كانت غائبة تقريبًا، وبالنسبة لأوروبا، كان الخطر الحقيقي هو خطر الشيوعية.

خطر اليسار المتطرف

رأى أستاذ العلوم السياسية، أنه كان لدى فرنسا وإيطاليا أحزاب شيوعية « قوية » لكن الدعم الاجتماعي لهذه الأحزاب لم يكن ينمو، وكانت عالقة على مستوى معين، وكان من الواضح أنها ستفقد هذا الدعم تدريجياً.

وتبنى الزعيم الشيوعي الإيطالي، إنريكو بيرلينجير، وزعيم الحزب الشيوعي الفرنسي، جورج مارشيس، وزعيم الحزب الشيوعي الإسباني كاريلو، من أفكار أنطونيو غرامشي وتوجلياتي، شيوعية جديدة خارج الخط البلشفي، وقد وُصفت بأنها شيوعية أوروبية تتفق مع القيم الديمقراطية الليبرالية، بحسب الكاتب الذي استطرد قائلا: « لكن زعيم الحزب الشيوعي البرتغالي كونهال، اعترض بشدة وتم تقسيم الحزب الشيوعي اليوناني إلى شيوعيين داخليين وشيوعيين خارجيين ».

وأظهرت هذه التقسيمات أن « خطر اليسار المتطرف » انتهى بالنسبة لأوروبا، وفي الأصل لم يكونوا قد تعافوا بعد؛ وبعدها تم إدراج إسبانيا والبرتغال واليونان على الفور في الاتحاد الأوروبي، بحسب المقال.

وتابع الكاتب، أعقب نجاح أوروبا في السبعينيات تدمير الجدار بين ألمانيا الشرقية والغربية، وحلت الشيوعية الأوروبية الشرقية، وأخذ الاتحاد الأوروبي أوروبا الشرقية تحت مظلته. لقد عاشوا فترة عشرين سنة، إذ وضعت ديناميات المجتمع المدني قيمًا ليبرالية. كان ذلك مع نهاية عام 2010. تقريبًا، بدءًا من هذا التاريخ، ظهرت حالات جديدة لم تتناسب فيها حسابات السوق مع الحسابات التي في البيت، وهنا يقصد الكاتب الوضع الاقتصادي السيء.

وعاش العالم في تلك الفترة ركودا وبطالة ومشاكل الهجرة، بعد أن هرب المهاجرون من بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي، والأكثر من ذلك، بحسب الكاتب، كانت مرحلة ميلاد اليمين المتطرف من جديد بشعاره « كره الأجانب ». ولكن هذه المرة لا يتعلق الأمر بحزب بشكل مباشر وإنما قوة سياسية، ولعل أوضح مثال على ذلك مقتل الزعيم النمساوي اليميني المتطرف، يورج هايدر، في حادث سيارة عام 2008، بحسب الصحيفة التركية.

الأكثر تطرفا

واستطاع السياسي هايدر أن ينقل الحركة اليمينية الصغيرة في النمسا إلى قوة مؤثرة من خلال تشويه الخصوم السياسيين في العادة وتأجيج المشاعر المناهضة للهجرة وانتقاد ما أسماه بـ »أسلمة » المجتمع النمساوي. وطالما أثار الجدل حول تصريحاته التي أشاد فيها بالرايخ الثالث ووصفه لمعسكرات الاعتقال النازية في مناقشة برلمانية على أنها « معسكرات جنائية ».

كما تمت إدانته على نطاق واسع لاجتماعه بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين في عام 2002 وهو ما وصفه بأنه « مسألة إنسانية » خالصة، حسب ما ورد في المقال الذي أشار إلى أن هايدر توّج بالسلطة، التي فاز بها بشراكة ائتلافية واستقال بضغوط قبل أن يُقتل أو يموت في حادث سيارة.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية، أن هايدر لم يكن وحيدًا، بل هناك أحزاب يمينية أكثر تطرفا، مثل جان ماري لوبان، عن حزب الجبهة الوطنية في فرنسا، وحزب ليغا الشمالية في إيطاليا، وحزب البديل في ألمانيا، وحزب فوكس في إسبانيا، وحزب أوربان فيدسز في المجر، وحزب الفجر الذهبي في اليونان، وحزب استقلال المملكة المتحدة؛ وأخيرا حزب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وعقّب الكاتب قائلا: « هذه الأحزاب إما محكومة بالقوة أو بالقوة ».

واعتبر المقال أن الخطر على الاتحاد الأوروبي يتزايد حقًا على الاشتراكيين في إسبانيا وفي ألمانيا، إذ أصبحت التحالفات بين يمين الوسط ويسار الوسط قادرة على القمع وإنهاء الكثير من القيم التي يعيشها الاتحاد الأوروبي. لكن هذا لا يمكن أن يكون طويل الأجل. فقد أصبح الأمر الآن أكثر إثارة للجدل أكثر من أي وقت مضى، من حيث القيم الأوروبية كم هي مشتركة وبشكل حقيقي.

تقرير الاتحاد الأوروبي

وبعد انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، بات أثر وزن اليمين المتطرف واضحا، وفي تقرير للاتحاد الأوروبي المتعلق بتركيا، الحكم الأساسي الوارد في التقرير هو؛ تركيا، تبتعد بنفسها عن قيم الاتحاد الأوروبي؟ ويتساءل الكاتب، هل نبكي أم نضحك على هذا التقرير؟

وأفاد تقرير الاتحاد الأوروبي، أن النظام القضائي التركي شهد « المزيد من التراجع الخطير » موجها انتقادات حادة للبلاد في عدد من القضايا بدءا بحقوق الإنسان وانتهاء بالسياسات الاقتصادية. وأشار إلى أن « هناك العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني ووسائل الإعلام والأكاديميين والسياسيين والأطباء والمحامين والقضاة والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسياً محتجزين – دون توجيه اتهامات »، بحسب المقال.

كما انتقد التقرير، « تقلص مساحة منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الحقوق والحريات الأساسية في تركيا بسبب التعقيدات الإدارية التي تفرضها ». وتساءل الكاتب، هل يمكن أن يسأل من أعد هذا التقرير عن الفاشية وسطوة اليمين المتطرف الذي ظهر مليًا في انتخابات الاتحاد الأوروبي الأخيرة، مردفا: « ألا يسأل هؤلاء أنفسهم أين تنقل أوروبا نفسها؟ ».

وأظهرت النتائج الرسمية الأولية لانتخابات البرلمان الأوروبي، أن الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة والمشككة في الوحدة الأوروبية حققت مكاسب قوية على حساب الوسط واليسار، في وقت كانت التداعيات فورية لبعض الدول التي تمت فيها الدعوة إلى انتخابات جديدة.

وتصدر اليمين المتطرف ممثلا في التجمع الوطني بفرنسا وحزب الرابطة بإيطاليا، في وقت تصدر دعاة الخروج من الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، والقوميون المناهضون للهجرة في المجر بزعامة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، وأحرز المدافعون عن البيئة (الخضر) مكاسب مهمة في عدة دول بينها فرنسا.

المصدر : تقرير تركيبي

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *