امتناع باكستان عن التصويت في مجلس الأمن يثير التساؤلات: حياد محسوب أم حسابات إقليمية؟

بقلم: كريم الصبار باحث في العلاقات الدولية

في الوقت الذي تبنّى فيه مجلس الأمن الدولي، بأغلبية 11 صوتاً، القرار رقم 2797 الداعم لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، أثار امتناع باكستان عن التصويت تساؤلات واسعة في الأوساط الدبلوماسية، خصوصاً في ظل تحالفها التقليدي مع السعودية، واصطفاف الجزائر إلى جانب جبهة البوليساريو المدعومة من الهند.

ورغم أن الموقف الباكستاني لم يكن تصويتاً معارضاً، فإن اختيار الامتناع بدلاً من التأييد أثار قراءات متباينة، واعتُبر تعبيراً عن حيادٍ دبلوماسي محسوب يروم موازنة علاقات إسلام آباد المعقدة في المنطقة.

في بيان مقتضب عقب التصويت، أوضحت بعثة باكستان لدى الأمم المتحدة أن امتناعها يعكس موقفاً مبدئياً وثابتاً من القضايا المرتبطة بـ”حق الشعوب في تقرير مصيرها”، وهو مبدأ تعتبره من ركائز سياستها الخارجية، خصوصاً في ما يتعلق بملف كشمير، الذي ترى فيه أوجه تشابه مع قضية الصحراء.

لكن مراقبين اعتبروا هذا التبرير محاولة لتجنب الاصطفاف الواضح، مشيرين إلى أن باكستان سعت من خلال هذا الموقف إلى تفادي إحراج حلفائها العرب، خاصة الرياض وأبوظبي، اللتين تدعمان بقوة السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية.

يقول الخبير في الشؤون الآسيوية، الدكتور أمين البكري، إن امتناع باكستان يعكس «سياسة الموازنة» التي تنتهجها إسلام آباد في ملفات ذات حساسية جيوسياسية عالية، مضيفاً أن «الامتناع كان الخيار الأنسب لتفادي الصدام مع الجزائر من جهة، أو الظهور بموقف يتعارض مع السعودية والمغرب من جهة أخرى».

وتُعد الجزائر أحد الشركاء الاقتصاديين لباكستان في إفريقيا، كما أن باكستان تحرص على عدم خسارة دعم الصين وروسيا، اللتين امتنعتا بدورهما عن التصويت على القرار.

من الناحية الرمزية، يُعتبر موقف باكستان رسالة مزدوجة:
أولاً، إلى الدول العربية الحليفة، مفادها أن الحياد لا يعني معارضة السيادة المغربية، بل احترام قرارات الأمم المتحدة.

ثانياً، إلى الجزائر والهند، بأنها لا تنوي الاصطفاف ضد محور داعم لتقرير المصير في مناطق أخرى من العالم.

وفي المقابل، يرى محللون أن الامتناع الباكستاني قد يُفهم في الرباط كـ«تحفّظ غير مبرر»، خصوصاً وأن 26 دولة آسيوية دعمت المبادرة المغربية صراحة داخل أروقة الأمم المتحدة.

ورغم هذا التحفّظ المحدود، تبقى الكفة الدبلوماسية المغربية راجحة، بعدما نجحت الرباط في حشد دعم دولي واسع لقرار مجلس الأمن الأخير، الذي وصفه الملك محمد السادس بأنه «منعطف تاريخي يؤسس لمرحلة جديدة من تثبيت السيادة المغربية على الصحراء».

وبينما يستمر المشهد الدولي في التفاعل مع القرار الأممي 2797، يبدو أن امتناع باكستان لم يكن سوى حلقة جديدة في لعبة التوازنات الإقليمية، التي تحاول من خلالها إسلام آباد الحفاظ على شعرة معاوية مع جميع الأطراف دون خسارة أيٍّ منها.